Times of Egypt

من السعادة إلى الفناء!

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

 ما الذي يجمع بين اتفاق غزة، وحرائق كاليفورنيا، ومستقبل محمد صلاح، وعمر مرموش؟

 الغالبية الكاسحة من البشر – بمَن فيهم كُتاب ومحللون وصحفيون ونخبة – تتناول كل حدث على حدة، وتحاول معرفة أبعاده وتداعياته. أفراد قليلون للغاية.. يخرجون برؤية كونية لما يجري، بحيث تبدو تلك الأحداث؛ مهما عظُم أمرها.. مجرد نماذج تخدم تلك الرؤية. هؤلاء هم الفلاسفة والمفكرون الكبار.. الذين لا يجود بهم الزمان كثيراً.

بدأت محاولات تفسير حركة الكون والبشر منذ آلاف السنين. ولأن الزمن كان بكراً، والعالم في طور البدايات، جاءت الرؤى والنظريات الفلسفية متفائلة، تسعى من أجل سعادة الإنسان، وتتفاءل بشأن مستقبله. 

أشهر تلك الرؤى هي «اليوتوبيا».. ذلك العالم الخيالي الخالي من الشرور، والذي يوفر الحاجات الأساسية للناس دون مشاحنات أو صراعات. أفلاطون – في كتابه «الجمهورية» – تصور الدولة قوية متجانسة وسلطوية ومتفوقة أخلاقياً. ثم جاءت يوتوبيا توماس مور – في بدايات عصر النهضة الأوروبية – لتخلق أرستقراطية جديدة.. لا تعتمد على الثروة، بل الذكاء والمعرفة. الشعب ينتخب الحكام ورجال الدين أيضاً.

لكن الأمور لم تَسِرْ على هذا المنوال، كما يقول الكاتب والناقد الثقافي عماد الغزالي.. في كتابه الجديد: «عالمنا السعيد.. من يوتوبيا أفلاطون إلى قبو يوم القيامة»؛ فقد سلك البشر دروباً مغايرة، فاشتعلت حروب الأوروبيين لتقسيم العالم. إلى أن وصلنا إلى حربين عالميتين.. حصدتا عشرات الملايين، ثم حرب باردة وعشرات الصراعات الأهلية. حل التشاؤم محل التفاؤل والسعي السابق للسعادة. ظهرت نظريات أو صيحات عن موت الإله، وظهور الإنسان السوبرمان لنيتشه. وقال شوبنهاور بموت الإرادة، ثم جاء فوكوياما، المفكر الأمريكي، ليعلن موت الإنسان نتيجة المعرفة التي توصّل إليها.

يقدم الكاتب رؤى مفكرين وفلاسفة غربيين.. تعاملوا مع قضايا العالم والبشرية والمستقبل بصورة كلية وليست جزئية. الرؤية الأكثر قتامة لحالنا، صاحبها المفكر اللبناني الفرنسي أمين معلوف.. في كتابه: «غرق الحضارات». يقول: «للمرة الأولى في التاريخ، لدينا الوسائل الكفيلة بإنقاذ الجنس البشري، لكننا ننطلق بسرعة فائقة.. في الاتجاه المعاكس». ويستطرد: «ما يجعل حقبتنا أشد خطورة، أن هناك أدوات هلاك.. تم استحداثها، وتتطور باستمرار، ولهذا تزداد صعوبة تجنب الغرق».

يعرض عماد الغزالي خلاصة كتاب ديفيد ريف «عار الجوع» الذي تساءل: هل الرأسمالية تقدم الحلول أم هي جذر المشكلة؟، وهل يمكن حل مشكلة نقص الغذاء بالابتكارات العلمية والحوكمة والشفافية؟. يجيب «ريف» قائلاً: «لن تنتهي المشكلة، ما لم تكن هناك عدالة.. لا تعتبر الغذاء سلعة بل حقاً إنسانياً». العالم – وفق الكاتبة إليزابيث كولبرت – يعيش مرحلة انقراض سادسة، بعد انقراضات خمسة اختفت فيها كائنات عديدة لأسباب بيئية ومناخية. الانقراض قادم، وسيتحول كل شيء كتبه الناس ورسموه وبنوه إلى غبار. الجرذان العملاقة سترث الأرض. ربما تكون هذه الرؤى مُفرطة في التشاؤم، بعكس رؤى القدامى المبالغة في التفاؤل، لكن المؤكد أن عالمنا لم يعد سعيداً.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *