أمينة خيري
حق الرصيف والفضاءات العامة.. وثيق الصلة بـ«لوائح المنتزه». والحق في الرصيف في بريطانيا.. لم يعد من الأمور الخاضعة للهات والخد، أو الجدال، أو النقاش حول من يملكه: هل هو صاحب المقهى أو الكشك؟ أم الحكومة؟ أم المواطن؟
مبدئياً، اتفق الجميع على أن الرصيف هو «مسار ذو سطح صلب على أحد جانبي الطريق أو كليهما، يسير عليه الناس». لم ترد إشارة إلى أن الرصيف يملكه صاحب المحل.. مهما كان يتمتع بعلاقات نافذة مع المسؤولين، أو صاحب فرشة الأدوات المنزلية.. مهما كان فقيراً وبائساً، وفي أمس الحاجة للعمل، أو صاحب المقهى، ليفرش طاولاته ومقاعده.. مهما طالب الرواد بمزيد من المساحة ليجلسوا ويتسامروا، ويدخنوا الشيشة ويلعبوا طاولة.
وقد ورد في «كود الطريق السريع» الرسمي البريطاني – وهو كتاب على درجة عالية من التقدير، يتضمن قواعد استخدام الطريق العام – ما يلي: «يجب على المشاة استخدام الأرصفة والممرات – بما في ذلك أي مسار على جانب الطريق – إذا تم توفيرها، لا السير في الشارع. حيثما أمكن، تجنب التواجد بجوار الرصيف وظهرك لحركة المرور. إذا كان عليك أن تخطو إلى الطريق، فانظر في الاتجاهين أولاً. أظهر دائماً الرعاية والاهتمام الواجبين.. للآخرين ممن يسيرون على الرصيف».
كدت أبكي من فرط التأثر أثناء قراءة لوائح الأرصفة! ويعود تأثري هذا.. لا لشعوري بالحرمان، لأن بلدنا لا أرصفة فيها، بل لأن بلدنا مليئة بالأرصفة، لكن، وآه من ولكن!
ماذا جرى لأرصفتنا؟ أو بالأحرى، ماذا فعلنا بأرصفتنا؟! إذا تركنا ارتفاعات بعض الأرصفة التي لا تصلح إلا لأصحاب المهارات واللياقات البدنية العالية، ولاعبي الجمباز والمحترفين.. ليتمكنوا من الصعود إليها، وكذلك الارتفاعات المختلفة حيث تصعد، ثم تنزل، ثم تنحدر، وبعدها تفاجأ بكوم رمل أو تل قمامة أو متاريس حديدية.. من صنع الأهالي بعرض الرصيف، أدعو القراء الأعزاء لتأمل ورصد الأرصفة، لا في الأحياء الشعبية فقط، بل في المناطق التي كانت مصنفة راقية.
الطبيعي، هو أن تتمدد طاولات المقاهي.. لتحتل كل الرصيف، وربما جزءاً من الشارع. والطبيعي أن يعتبر صاحب الكشك – الذي قرر أن يبني ملحقاً أو اثنين وربما ثلاثة على مدار السنوات – أن الرصيف المحيط به ملك خاص، وجزء لا يتجزأ من أكل عيشه، يعرض عليه السلع، بل ومنهم من قرر- بكل أريحية – أن يضع طاولتين أو ثلاث، وبعض المقاعد.. بعد ما قرر أيضاً أن يتوسع ويقدم الشاي والقهوة.
والطبيعي، أن يعتبر أصحاب محال الأدوات المنزلية، والعطارة، والنجارة، والسباكة وغيرها.. الأرصفة المواجهة لهم، أقرب ما تكون إلى أفنيتهم الخاصة. حتى الحلاق – الذي لا يملك منتجات يشغل بها الرصيف – فإنه يسد الرصيف.. بلوحات إعلانية ضخمة تحمل صورة الرجل ذي اللحية المدببة سمة العصر.
المصيبة، أن غياب حق الرصيف لم يعد يؤرق، أو يقلق، أو حتى يعبر.. مخيلة المارة.
الحق في الرصيف.. لا يمت بصلة للبأس أو البؤس. له علاقة بالوعي والقانون والثقافة.
نقلاً عن «المصري اليوم»