Times of Egypt

ملاحظات واجبة على التطورات السورية «3»

Mohamed Bosila
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد..


تناولت الملاحظات في المقالتين السابقتين.. الداخل السوري والنظام الإقليمي العربي، والصراع العربي الإسرائيلي، وتناقش هذه المقالة الملاحظات الخاصة بالتوازنات الإقليمية. ولا شيء يثبت التغير في نماذج التفاعلات السياسية وسرعته.. كالتطورات التي ألمت بموازين القوى في المنطقة مؤخرًا، ونذكر أن صمود المقاومة في غزة والضفة ولبنان.. لسنة كاملة، قد أوجد وضعاً بدت فيه إسرائيل ضعيفة.. رغم كل القتل والتدمير في غزة والضفة ولبنان؛ ومعيار الضعف هنا.. هو عجزها عن تحقيق هدفيها الاستراتيجيين المعلنين. وهما: اجتثاث المقاومة، وتحرير الأسرى والرهائن. فقد استمر صمود المقاومة وجبهات إسنادها، وفشلت إسرائيل في إنقاذ الأسرى والرهائن بالقوة، فلم تحرر منهم إلا ما سمحت به هدنة نوفمبر 2023.
أما القوة، فلم تؤدِّ إلا إلى قتل مزيد منهم؛ إما نتيجة الغارات الإسرائيلية، أو نيران صديقة، ولم يُحَرَّر بالقوة إلا نفر يُعَد على أصابع اليد الواحدة وبتكلفة باهظة، ويُضاف إلى هذا ما تكبدته إسرائيل من خسائر في الأفراد والمعدات، وهو إنجاز لافت للمقاومة.. التي واجهت الترسانة العسكرية الإسرائيلية.. المزودة بدعم غير محدود عسكرياً ومالياً من الولايات المتحدة، بما في ذلك الدعم المباشر بالهجمات على الحوثيين، وتزويد إسرائيل بمنظومة صواريخ ثاد للدفاع الجوي.. بأطقم تشغيلها، بعد أن أنهكت صواريخ «حزب الله» وطائراته المسيرة الدفاع الجوي الإسرائيلي.
ولقد كتبتُ دراسة في يوليو الماضي في مجلة «آفاق إستراتيجية»..ذهبتُ فيها إلى أن الصعود الأكبر للمكانة الإقليمية – نتيجة هذه الحرب – كان من نصيب إيران، وأن التراجع الأكبر لحق بإسرائيل، لكن الموقف انقلب رأساً على عقب في أسابيع قليلة، وهو درس على سرعة التغير في الأوضاع السياسية.
فقد شهد النصف الثاني من سبتمبر الماضي.. تفجير أجهزة الاتصالات التي يستخدمها أفراد «حزب الله»، وهو ما أوقع قتلى وجرحى بينهم بالمئات، وتلت ذلك عملية اغتيالات لقيادات الحزب.. كان من شأنها أن تصيبه بالشلل التام؛ لكنه أظهر قدرة فائقة على الصمود، وتوجيه ضربات مؤلمة لإسرائيل، غير أن ضرباتها بالمقابل.. أفضت إلى التوصل في 26 نوفمبر، لاتفاق وقف إطلاق نار إسرائيلي-لبناني، لم يأت بجديد.. سوى أنه وضع قرار مجلس الأمن 1701 موضع التنفيذ، وهو القرار الذي لم يُقَدَّر له أن ينفذ أبداً من طرفيه، غير أن الاتفاق أوجد لجنة للإشراف على التنفيذ تضم – بالإضافة لطرفي الصراع والأمم المتحدة – كلًا من الولايات المتحدة وفرنسا، وهو ما يعني تقييد الحزب.. في أي مواجهات مقبلة.
غير أن الضربة القاصمة جاءت بعد 12 يوماً فحسب، بنجاح جبهة تحرير الشام – على رأس فصائل معارضة أخرى – في إسقاط نظام الأسد، وبهذا التطور ضربت إسرائيل 3 عصافير بحجر واحد، وقد يقول قائل ما علاقة إسرائيل بإسقاط نظام الأسد.. الذي تم بواسطة فصائل المعارضة، والجواب من وزير الدفاع الإسرائيلي ذاته؛ فقد تفاخر – منتشياً في تهديداته للحوثيين.. بتدمير بنيتهم التحتية وقطع رؤوسهم – بما فعلته إسرائيل بقادة حماس و«حزب الله»، وأضاف نصاً..«أسقطنا نظام الأسد في سوريا»، ومن المعروف أن نتنياهو.. هدد – في كلمته لإعلان وقف إطلاق النار مع لبنان – بشار الأسد.. معتبراً أنه يلعب بالنار، بتمريره الأسلحة لحزب الله، فماذا عن العصافير الثلاثة التي ضربتها إسرائيل بإسقاط نظامه؟
أولها بطبيعة الحال، قطع قناة الدعم الذي كانت تقدمه إيران لحزب الله، بما يمثل قيداً.. يُضاف إلى قيد اتفاق وقف إطلاق النار، ويثير تساؤلات حقيقية حول قدرة الحزب.. على مواصلة دوره في مواجهة إسرائيل. والعصفور الثاني إسقاط نظام، صحيح أنه لم يقم بدور في الصراع مع إسرائيل – منذ حرب أكتوبر 1973 – إلا أنه على الأقل.. حليف لإيران، ومن ثم فإن سقوطه تنفيذ جزئي للمخطط الإسرائيلي، لتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة. كذلك أعطى هذا السقوط إسرائيل ذريعة.. بررت بها التحلل من التزاماتها بموجب اتفاق 1974، ووفر لها فرصة التهام مزيد من الأراضي السورية. والأخطر، أنه سمح لها بتدمير شامل للقوة العسكرية السورية.. في عمل غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي؛ بمعنى أن تقرر دولة.. أن تغييراً داخلياً في دولة ما، يهدد أمنها. فتدمر قوتها العسكرية بالكامل.
وتكتمل صورة العصفور الثاني بالنظام الجديد، الذي لم تهتز له شعرة.. من كل ما جرى من احتلال لأرضه وتدمير لجيشه، وكانت رسالته شديدة الوضوح: أولويتنا هي الداخل، ونحن منهكون، وليست لنا نية الدخول في صراع مع أحد.
أما العصفور الثالث والأخير، فيتعلق بمزيد من تحجيم الدور الإيراني. وقد صمتت الفصائل العراقية – التي شاركت في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل – وإن كان الحوثيون ما زالوا مستمرين، ولا شك في أن لعاب إسرائيل يسيل.. تمنياً للإجهاز على القوة الإيرانية إما بضربة عسكرية – وهو عمل يتوقف القيام به على سيد البيت الأبيض الجديد – أو بالعمل على تقويض النظام الإيراني من الداخل، وسيكون هذا اختباراً حقيقياً لقوته.
وتبقى نظرة واجبة على الصعود التركي الكبير.. بعد تطورات سوريا الأخيرة؛ فتركيا أحد صانعيها الرئيسيين، وبعدها أصبح مفتاح سوريا بيدها، ومن الواضح.. أنه لا مشكلة لديها في التعامل مع إسرائيل، وإن كانت المشكلة في إدارة التفاعلات المتعلقة بأكراد سوريا؛ فالولايات المتحدة تؤيدهم، والموقف التركي منهم معروف. لكني أتصور أن حلها – في ظل الانتهازية الأمريكية – ممكن، وهكذا انقلب المشهد الإقليمي.. الذي دام قرابة سنة، في شهور قليلة، شهدت صعوداً إسرائيلياً وتركياً، بدت معه أحلام نتنياهو في شرق أوسط جديد.. ممكنة التحقيق، بينما تراجع النفوذ الإيراني بشدة.. ومعه الروسي، وهو ما ينقلنا للمقالة الأخيرة من هذه السلسلة، عن تداعيات التطورات السورية على نفوذ القوى الكبرى في الشرق الأوسط.
نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.