Times of Egypt

مقدمات طه حسين: رؤية عبقرية في كتب الآخرين 

Mohamed Bosila
محمد أبو الغار 

محمد أبوالغار 

هذا كتاب جميل، تكتشف فيه حجم قراءات طه حسين، واهتمامه بكتابة مقدمات لها. جمع الأستاذ علي قطب 82 مقدمة – في كتاب ضخم يضم 486 صفحة – من إصدار بيت الحكمة الثقافية. اخترت مجموعة من الكتب، وأخذت من كل مقدمة جزءاً صغيراً؛ معبراً عن رأي طه حسين وفكره وأسلوبه. 

مقدمة «صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان»، الصادر عام 1920: 

«أوليس من المعقول.. أن نعرف أنفسنا، قبل أن نعرف غيرنا؟ أوليس من الحق علينا – إذا فرغنا من درس تاريخ مصر – أن ندرس تاريخ أشد الأمم قرباً وأدناها منّا؟ ولست أشك في أنهم لم يخطئوا مكان الصواب؛ حين أعلنوا جهل مصر لنفسها، وحاجتها لدراسة التاريخ. أليس في مصر من آثار المصريين القدماء، ما يكفي لإنشاء مدرسة خاصة.. تقصر همها على دراسة هذه الآثار، وتخريج الأساتذة والمتخصصين»؟ 

إنه العظيم طه حسين.. الذي طالب بإنشاء كلية الآثار عام 1920، وصدر قرار بإنشائها عام 1970 بعد نصف قرن. 

مقدمة في كتاب رسالة الغفران للشاعر الفيلسوف أبي العلاء المعري: شرح وإنجاز كامل الكيلاني. صادر عام 1925: 

«أعود اليوم إلى الكتابة عن أبي العلاء، بعد عشر سنوات مضت على درسي له، وكتابتي عنه. نعم، مر أبوالعلاء في عصره ولم يفهم الناس منه شيئاً، فهموا منه قشره وجهلوا لبه، فهموا منه اللغة والأدب والنحو، ولم يفهموا شيئاً آخر. أليس غريباً أن كتاباً كرسالة الغفران، يُنشر أيام أبي العلاء.. فلا يُحدث ثورة في الرأي، ولا اضطراباً في العقيدة؟ بل ولا حركة في الأدب، وإنما يتلقاه الناس.. على أنه أثر من هذه الآثار اللفظية». «قلت – ومازلت أقول – إن أبا العلاء لم يكتب لعصره، وإنما سخر من عصره وازدراه، وإن عصره لم يفهمه ولم يشعر به. أما الذين كُتب لهم أن يفهموا أبا العلاء، ويقدره.. فمنهم أهل هذا الجيل، والذين سيأتون من بعدهم. رسالة الغفران هي آية الأدب العربي، كما أن صاحبها آية كُتاب العرب؛ هي آية التفكير العربي، هي آية الخيال العربي، هي آية السخرية العربية، هي آية الحرية العربية. الحرية وحدها.. هي السبيل إلى فهم أبي العلاء. كفر أبوالعلاء وآمن في هذه الرسالة، أراد أن يتفكه فتفكه إلى غير حد، وأراد أن ينقد فنقد في غير رحمة، وأراد أن يكفر فكفر، وأراد أن يؤمن فآمن في غير شك». 

مقدمة «المختار» لعبدالعزيز البشري: 

عبدالعزيز البشري قاهري من خريجي الأزهر. كان معروفاً بخفة الدم واللسان اللاذع، وكتب عدداً كبيراً من المقالات، وهو من أهم ظرفاء مصر في القرن العشرين. طه حسين، بسبب حبه الشديد لعبدالعزيز البشري، هو الذي طلب من البشري أن يكتب مقدمة كتابه، فقال: «رغبت إلى الأستاذ عبدالعزيز البشري أن أقدم كتابه المختار، فتأبَّى عليَّ وأظهر امتناعاً، ثم التواءً، ولم أظفر منه بما أردت إلا بعد جهد وإلحاح. رغبت إليه، لأني أرى له دَيْناً في عنقي وفي عنق كثير من المثقفين في هذا الجيل، والذين يحبون الفن الرفيع في الأدب. كل هؤلاء المثقفين قد وجدوا عند البشري منذ أوائل هذا القرن ما يُرضي حاجتهم إلى الأدب العالمي والفن الممتاز، وكلهم مدين له بساعات حلوة قضاها مستمتعاً بلذة موسيقية رائعة كان يشترك فيها سمعه وقلبه وعقله». 

مقدمة قصيرة لكتاب «مسرحيات توفيق الحكيم» (1937): 

الكتاب ضم ثلاث مسرحيات هي سر المنتحرة ورصاصة في القلب وجنسنا اللطيف. وقال طه حسين: «ومادام الشعر العربي قد وسع ما حاول شوقي أن يمثله من التمثيل، ومادام النثر العربي قد وسع ما أراد توفيق الحكيم أن يحمله من التمثيل، فمن السخف أن نتهم اللغة العربية بالعجز والقصور أو الضيق عن احتمال هذا الفن». 

مقدمة «سلسلة اقرأ» التي أصدرتها دار المعارف عام 1943: 

«إن الذين عنوا بإنشاء هذه السلسلة ونشرها لم يفكروا إلا في شيء واحد.. هو نشر الثقافة من حيث هي ثقافة لا يريدون إلا أن يقرأ أبناء الشعوب العربية وأن يتثقفوا وأن تدعوهم هذه القراءة إلى الاستزادة من الثقافة، والطموح إلى حياة عقلية أرقى وأخصب من الحياة العقلية التي نحياها». 

مقدمة «مذكرات دجاجة» لإسحق موسى الحسيني، وهي رواية رمزية نُشرت عام 1940: 

«هذه دجاجة عاقلة جد عاقلة، ماذا أقول؟!، بل هي دجاجة مفلسفة تدرس شؤون الاجتماع في كثير من التعمق وتدبر الرأي فتصل إلى بعض الأدواء الاجتماعية وتصف لها الدواء. ماذا أقول؟، بل هي دجاجة شاعرة. نجد ألم الحب ولذته وعواطفه المختلفة التي تدق أحياناً حتى لا يهتدي إليها إلا الشعراء الملهمون، بل هي دجاجة رحيمة تعطف على الضعفاء والبائسين وترق للمحرومين وتؤثرهم على نفسها وهي بليغة وفصيحة تفكر فتحسن التفكير وتؤدي فتجيد الأداء». 

مقدمة القدر «زديج» لفولتير: 

«هذه قصة من قصص فولتير التي عني فيها ببعض المشكلات الفلسفية العليا التي شغلت الناس دائماً وشغلت الفرنسيين بنوع خاص أثناء القرن الثامن عشر، وهي مسألة القضاء والقدر ومكان الإنسان وإرادته منها. وقد قرأت هذه القصة مرات توشك أن تبلغ عشراً، وأكبر الظن أني سأقرؤها وأقرؤها، وقد وجدت فيها وسأجد فيها دائماً متعة العقل والقلب والذوق، فقدمتها للقراء، وقد آثرتهم بما أوثر به نفسي»، ثم حكى القصة بإيجاز. 

مقدمة «أطفالنا وكيف نسوسهم» ليعقوب فام: 

كتب طه حسين: «لست أدري أي الأمرين أروع روعة وأجمل جمالاً وأبغ أثراً في القلوب وأشد ازدهاراً للعقول. هو قصة هؤلاء النفر الذي ملك عليهم أمرهم حب الخير وأرادوا أن تكون حياتهم ونشاطهم وجهودهم نفعاً للناس. وهذا الحقل الذي اختاره الكاتب هو حقل الطفولة والصبا، فقد عمد إلى الأطفال والصبية يحاول أن يصلح من أمرهم في حياتهم المادية والنفسية، فخالط الأطفال وعاشرهم في الشوارع والأزقة حتى اطمأن الصبية له واتصلت مودة ظريفة بين الكبار والصغار». 

مقدمة «جمهورية فرحات» ليوسف إدريس: 

«هذا الكتاب الممتع أقدمه للقراء سعيداً بتقديمه أعظم سعادة وأقواها لأن كاتبه من هؤلاء الشباب الذين تُعقد بهم الآمال وتُناط بهم الأماني ليضيفوا إلى رقي مصر رقياً وإلى ازدهار الحياة العقلية ازدهاراً. هو قد أصبح طبيباً، ولكن للأدب استئثاراً ببعض النفوس وسلطاناً على بعض القلوب لا يستطيع مقاومته والامتناع عليه إلا الأقلون. لقد جرب نفسه في الكتابة، ثم لم يملك أن يمضي في تجاربه تلك، فإذا هو أمام كتابه الأول «أرخص الليالي»، فيرضى عنه الناس ويستمتعون به ويعجب به النقاد ويشجعون صاحبه على المضي في الإنتاج. كاتبنا هذا يمضي في هذه الطريق ثابت الخطو، وما أشك في أنه سيبلغ من الأصالة والرصانة والتفوق ما بلغ الذين سبقوه، فهو ظاهرة جديدة في أدبنا العربي الحديث. لم أرَ تصويراً لشارع أو ميدان تخلط منه جماعات الناس على تباين أشكالهم وأعمالهم وألوان نشاطهم كما أرى في هذا الكتاب». 

قوم يا مصري.. مصر دايماً بتناديك. 

نقلاً عن «المصري اليوم« 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.