محمد أبو الغار
مذكرات ضخمة.. في 400 صفحة من الورق المصقول، وصور ملوَّنة حديثة، وأهم منها.. صور أبيض وأسود قديمة، ولكن قيمتها عظيمة، نشرتها الدار المصرية اللبنانية.
المذكرات من عشرة فصول، تتميز بعضها بالقيمة التاريخية المهمة.. لتاريخ الصحافة، ولتاريخ أسرة برجوازية في الريف.. من الملاك الشطار الساعين إلى الابتكار في الزراعة ومنتجاتها، ولم يكونوا من الإقطاعيين ولا كبار الملاك.
هناك فصول مهمة ومثيرة، وسوف تكون جزءاً من التاريخ الموثق.. عن تجربة سجن لرجل أعمال، عن طريق تهم غامضة، والتاريخ الشخصي.. في الطفولة والدراسة، والشطارة في البيزنس من الصغر. شيء مثير.
حكاية «المصري اليوم»، كان يجب أن توثق.. لأنها صحيفة تخطت العشرين عاماً، وحققت نجاحات.. في ظروف ماتت فيها الكثير من الصحف.. بالسكتة القلبية.
الكتاب به حكاوى كثيرة، ربما أرقها وأجملها.. عن السيدة عنايات الطويل – زوجة صلاح دياب – وهناك حكايات أقل أهمية وجاذبية، لكنه كان موفقاً في وضع الفصول.. التي توثق لجزء هام من تاريخ مصر في المقدمة.
صلاح دياب ينتمي – من الأب والأم – إلى عائلة دياب في الشرقية، وبعد انفصال الأب والأم.. قبل ولادته، تربى في بيت جده توفيق دياب، الذي كان مثقفاً كبيراً، وضليعاً في اللغة العربية، وصحفياً شجاعاً موهوباً، أصدر جريدة «الجهاد».
تعلم 5 سنوات في بريطانيا، فأعطته ميزة ثقافية، وكانت صحيفته وفدية، وحاربها إسماعيل صدقي.. أثناء فترة توقف دستور 1923 بقسوة، وأُغلقت الصحيفة، وانتُخب أيضاً في مجلس النواب.
تعلَّم صلاح – في بيت توفيق دياب – الحياة والفن والشجاعة. أم صلاح.. كانت سيدة متعلمة، تخرجت في كلية البنات، وتجيد اللغات، وتفهم في الأدب والثقافة والموسيقى. وأبوه كان رجلاً شرقاوياً محافظاً، صاحب أراضٍ زراعية، يعمل فيها بجد ونشاط. خال صلاح – كامل دياب – الذي تربى في بيت توفيق دياب، كان قريباً جداً من صلاح.. طوال الوقت، وتشاركا في الكثير من الأعمال بعد ذلك، وكان أول رئيس مجلس إدارة لـ«المصري اليوم».
كان صلاح دياب (تلميذًا شاطرًا، وأيضاً خيبان.. في المدرسة وفي الجامعة)، فكان ينجح بأقل قدر من المذاكرة، لكن لأنه كان (لعبي كبير)، رسب مرات في سنوات الدراسة، وإن حصل على مجموع جيد في الثانوية العامة، فالتحق بالفنية العسكرية، لكن – بعد عام -ترك الدراسة، لعدم قدرته على الالتزام بالقواعد العسكرية الصارمة، فالتحق بهندسة عين شمس.. التي تخرَّج فيها بعد بعض من الرسوب.
يحكي صلاح عن مغامرات، كلها تصب في البيزنس الصغير، بداية من إرجاع زجاجات الكوكاكولا الفارغة.. التي يلقيها التلاميذ إلى الكانتين.. ليأخذ بثمنها «ساندويتش»، ثم إلى رحلات مع زملاء إلى أوروبا.. وعمل «شوية فلوس»، إلى استيراد سيارات مستعملة من أوروبا.. بدون رأسمال.
أهم فصول الكتاب – وهو وثيقة تاريخية – عن القبض عليه في عام 2015، ودخول قوات الشرطة إلى حجرة النوم.. بالأسلحة الضخمة، وبأعداد كبيرة، واصطحابه إلى مديرية أمن الجيزة.. والكلبشات في يديه، ثم حبسه في قسم الدقي.. بزنزانة منفردة لمدة 4 أيام. والتهمة كانت.. وجود سلاح في الفيلا بدون ترخيص، وبرَّأته المحكمة من ذلك. وتم القبض على نجله توفيق في نفس الوقت.
والمرة الأخرى.. كانت عام 2020، وهوجم المنزل بنفس الطريقة، واقتيد إلى زنزانة في سجن 15 مايو، بها 12 سجيناً.. بتهم جنائية مختلفة. كانت تهمته، إقامة سور حول مصنع لابوار في البساتين، وكانت المعاملة سيئة.. ولم يسمح لهم بالتريض، واستمر في الحبس 40 يوماً، وفقد 11 كيلو من وزنه فيها. يتحدث صلاح عن السجن، والتعامل مع المساجين، وإقامة صداقات معهم.
التاريخ المصري للسجن السياسي..طويل، وجميعه مسجل – في كتب وشهادات – يضاف إليها هذا الفصل.
يسرد صلاح قصة إنشاء «المصري اليوم». الفكرة كانت كامنة في ذهنه، فاشترى ترخيص صحيفة الزمان.. التي كانت تطبع عشرات النسخ. وفي ذلك الوقت، نشر مجدي مهنا الرائع – في عموده في جريدة «الوفد» – تفاصيل فضيحة فساد ضخمة.. في قطاع البترول. اتفق صلاح معه.. أن يكون رئيساً للتحرير، وفعلاً قام بتحضير العدد «زيرو»، الذي لم يُعجب به صلاح وآخرون، فاستعان صلاح دياب بهشام قاسم.. الذي قام بعمل خريطة تأسيس الصحيفة، وتم الاحتفاظ بعمود مجدي مهنا، الذي كان ركناً مهماً في «المصري اليوم».. حتى وفاته. واختار هشام قاسم.. أميرة هويدي لرئاسة التحرير، ولكن صلاح دياب رفض، وتم ترشيح أنور الهواري.. الذي عمل بحماس شديد لفترة، ثم تم اختيار مجدي الجلاد رئيساً للتحرير، وبعدها حدثت عدة تغييرات في رئاسة التحرير.
كان خط الجريدة.. هو الاستقلال والليبرالية، وشاركه نجيب ساويرس وأحمد بهجت وأكمل قرطام وشريف عبدالودود.. الذي أصبح عضواً منتدباً. وتحدَّث عن صفحة الرأي، وأسماء الكِتاب فيها. وكيف أن كتابات البعض.. تسببت في مشاكل لهم؛ بسبب مقالات.. اعتبرها البعض حادة، أو تثير قضايا لا يجب الكتابة عنها. وتحدَّث بالتفصيل عن عمود نيوتن – الذي كان صلاح دياب صاحب فكرته – والذي أثار مشاكل.. كتب عنها باستفاضة كبيرة، إلى أن توقف العمود.
ويتحدث – في صفحات طويلة – عن البيزنس الذي قام به، وحكاية «لابوار».. التي بدأت في البيت الذي كان يقطنه توفيق دياب، وكيف تولت زوجته – ثم ابنته – إدارة هذا المشروع، الذي انتشر في كل مكان. وتحدَّث عن شركة بيكو للتصنيع الزراعي، والشركة الهندسية، وأعماله في البترول، ومشاركته في نيوجيزة وجامعتها.
أفرد فصلاً طويلاً.. عن رأيه في رؤساء مصر السابقين، وفي الإخوان، ونفى أنه شريك لإسرائيل؛ بل قال إنه ينافس إسرائيل. ثم تحدَّث عن مقابلات مع الرئيس السيسي، ومع عدد كبير من الشخصيات العربية والعالمية. وكتب فصلاً عن علاقته بمجدي يعقوب – كطبيب وصديق – ومساعدته لمؤسسه مجدي يعقوب.
تحدَّث صلاح دياب عن انتفاضة 1997، وأنها سبَّبت عقدة نفسية للدولة. أما 25 يناير، فيسميها انتفاضة كلفتنا كثيرا،ً وتسببت في إلغاء الدستور.. الذي كان يمكن تعديله، بدلاً من دستور الإخوان. ثم يقول إنه تم حل الحزب الوطني.. الذي كان من الممكن إقصاؤه بالانتخابات. ويقول إنه لا أحد يعلم من دبَّر الانتفاضتين. طبعاً.. هذه آراء المؤلف، التي أختلف فيها معه، ويختلف الكثيرون أيضاً.
الفصل العاشر.. فصل لطيف وخفيف، يتحدث فيه عن زوجته السيدة عنايات الطويل (نيني)، وهي ابنة رجل الأعمال سعيد الطويل، ويحكي – بسلاسة وخفة دم – كيف تعرَّف عليها، وكيف كانت المقابلات الأولى بينهما، وكيف تحولت العلاقة إلى زواج، وإنجاب توفيق وشهيرة وعصمت. ويكمل الحكاية على لسان نيني والأبناء الثلاثة.
الكتاب مثير، وبه تاريخ مهم.. يستحق القراءة، وأجزاء منه فيها إضافة مهمة للتاريخ.
قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك.
نقلاً عن «المصري اليوم»