Times of Egypt

مخاوف متزايدة.. هل تفقد بريطانيا استقلالها النووي؟  

Mohamed Bosila

عمر إسماعيل 

في خضم التوتر الذي تشهده العلاقة بين لندن وواشنطن في الأيام الاخيرة 

… بريطانيا تواجه الآن أزمة وجودية، تهدد استراتيجيتها النووية، حيث بات اعتمادها المطلق على الولايات المتحدة في مجال الردع النووي.. محل تساؤلات جدية. ومع تصاعد التصريحات المعادية للناتو من قِبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفشل اختبارات الصواريخ «ترايدنت»، يبرز تساؤل محوري: هل تظل لندن رهينة لواشنطن، أم أنها مضطرة الان  للبحث عن شركاء نوويين جدد؟ 

أزمة ثقة: واشنطن شريكًا غير موثوق؟ 

لم تعد اتفاقية التعاون النووي البريطاني-الأمريكي – الموقعة عام 1958 – مجرد ضمانة استراتيجية، بل تحوّلت إلى «قيد».. قد يهدد الأمن القومي البريطاني. فبعد التصريحات الأخيرة للسير ديفيد مانينج – السفير البريطاني السابق في واشنطن – بدأ النقاش حول احتمالية توقف أمريكا عن تزويد بريطانيا بالصواريخ النووية؛ خاصة مع الفشل المتكرر لاختبارات «ترايدنت»، مما يزيد المخاوف بشأن مدى جاهزية الترسانة البريطانية.. دون الدعم الأمريكي 

تكاليف باهظة لاستقلال نووي بريطاني 

على الرغم من رغبة بريطانيا في استقلال قرارها النووي، إلا أن ذلك يتطلب استثمارات ضخمة. فمشروع استبدال الغواصات النووية من طراز «فانجارد».. قد يكلف عشرات المليارات، مع حاجة إلى بنية تحتية متكاملة. والمفارقة، أن بريطانيا – رغم امتلاكها 50 صاروخًا نوويًا – إلا أنها جميعًا مشتقة من مخزون أمريكي قديم، مما يجعلها رهنا للقرار الأمريكي، وفقًا لخبراء من جامعة برادفورد. 

هل يمكن أن تكون فرنسا بديلًا؟ 

تطرح بعض التحليلات خيار التعاون النووي الأوروبي، مع تصاعد الحديث عن دور فرنسي محوري في بناء مظلة نووية أوروبية. فقد أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.. إلى إمكانية توسيع الترسانة النووية الفرنسية، فيما أبدت ألمانيا استعدادها لتمويل مشروعات نووية مشتركة. 

لكن التعاون مع باريس ليس سهلاً، فالتكنولوجيا النووية الفرنسية سرية للغاية، ويستغرق تطوير رؤوس حربية جديدة للطائرات – كبديل للغواصات – أكثر من عقدٍ من الزمن. 

السيناريوهات المحتملة ومستقبل الردع النووي البريطاني 

وفقًا لمؤسسة «راند» البحثية، فإن أسوأ سيناريو قد يواجه بريطانيا.. هو انهيار الناتو خلال فترة حكم ترامب، ما قد يجبرها على: 

  • إنفاق 40% من ميزانيتها الدفاعية.. على برنامج نووي مستقل. 
  • أو الاندماج الكامل مع المنظومة النووية الفرنسية، وهو خيار محفوف بالمخاطر السياسية. 

وفي الوقت نفسه، فإن استعداد برلين لتمويل جزءٍ من هذه التكاليف، يعتبر خطوة تُشير إلى تحوّل أوروبي، نحو التكامل العسكري النووي الأوروبي.. وهو أمر غير مرغوب بريطانيًا. 

هل تظل بريطانيا «الشريك الأصغر» لأمريكا؟ أم تتحول إلى قوة نووية مستقلة؟ 

تحاول الحكومة البريطانية كسب الوقت؛ إذ تُبدي ثقة علنية في واشنطن، بينما تُجري في الخفاء مباحثات سرية مع فرنسا. ومع تحذيرات موسكو من تداعيات أي تحالف نووي أوروبي، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع بريطانيا إعادة تشكيل سياستها النووية بعيدًا عن أمريكا؟ أم أن مستقبلها سيظل مرتبطًا بالشراكة الأطلسية؟ 

أوروبا بين مطرقة التحولات وسندان التبعية 

ليس هناك ما هو أخطر على أوروبا.. من أن تجد نفسها خارج الحسابات.. في معادلة القوى الكبرى. فقد اثبت التاريخ  أن من لا يكون له حضور علي  مائدة التفاوض، يصبح تلقائيًا على قائمة المتأثرين بقرارات الآخرين. واليوم،  تبدو أوروبا مهددة بهذا المصير، و مع احتمال ولادة تفاهم أمريكي-روسي، وربما لاحقًا صيني، دون أن يكون لأوربا أو لأوكرانيا.. وجودا علي طاولة  التسوية المقترحة بين امريكا و روسيا. 

إن هذا السيناريو – إن تحقق – سيُعيد رسم خارطة النفوذ الدولي بشكل جذري؛ فأوروبا التي اعتادت أن تكون في قلب القرارات العالمية.. منذ مؤتمر فيينا 1815، تجد نفسها الآن مهددة بأن تصبح طرفًا هامشيًا في لحظة فارقة. واللافت للنظر، أن هذا ليس نتيجة ضعف ذاتي، بقدر ما هو انعكاس لحالة من الجمود الاستراتيجي، التي جعلت أوروبا تتبع خطى واشنطن.. دون أن تمتلك رؤية خاصة بها. 

في ظل هذه المتغيرات، يأتي موقف ترامب تجاه أوكرانيا، ليكشف عن امتحان حقيقي لقدرة أوروبا.. على التكيف مع عالم مختلف، تحكمه سياسات القوى الكبرى. فلم يعد الأمر مجرد أزمة أوكرانية، بل هو اختبار لموقع أوروبا في القرن الحادي والعشرين:  فهل تملك القارة القديمة القدرة على التحرك كفاعل مستقل؟ أم أنها ستظل أسيرة معادلات رسمها الآخرون؟ 

الطرح القائل بأن على أوروبا أن تتوجه نحو الصين، ليس مجرد خيار تكتيكي، بل إنه قد يكون السبيل الوحيد.. للخروج من مأزق التبعية؛ فالصين ليست قوة اقتصادية صاعدة فقط، بل أصبحت طرفًا رئيسيًا.. في أي معادلة دولية تُرسم اليوم. وإذا كانت أوروبا تريد أن تحجز لنفسها مكانًا في النظام الجديد، فعليها أن تتخلى عن ترددها الاستراتيجي، وتبدأ في بناء علاقات تضمن لها مقعدًا على طاولة القرار، حتى لا تكون مجرد متلقي لتداعياته. 

إن التاريخ لا ينتظر أحدًا. ومن يعتقد أن بإمكانه تجنب مواجهة لحظة التغيير، سرعان ما يجد نفسه ضحية لها. وأوروبا اليوم، أمام هذه اللحظة الفاصلة: إما أن تعيد تعريف دورها، أو أن تقبل بما يُرسم لها في العواصم الكبرى. 

* قيادي في حزب العمال البريطاني. 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *