Times of Egypt

متفرقات عن الأسطورة مرورًا بحرب ولا حرب وانتهاءً بشرق أوسط جديد 

Mohamed Bosila
جميل مطر 

جميل مطر 

في سفر أشعيا (23/49) أن الرب أمر كل أجنبي – إذا لقي يهودياً – أن يسجد له على الأرض، ويلحس غبار نعليه. وفي سفر التثنية: «وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً.. فوق جميع الشعوب». 

• • • 

حملات العداء للسامية.. أفلحت في أوروبا خاصة – والغرب عامة – بسبب تاريخ وتفاصيل في العقيدة المسيحية، ولم تفلح في الدول الإسلامية. 
عائلات يهودية كبيرة.. عاشت في مصر؛ منها سموحة وقطان وسوارس وتطاوي وموصيري ونادلر. امتلك اليهود بعض أشهر محلات تجارة التجزئة؛ مثل باتا وهانو وشيكوريل وبنزايون وداود عدس وريفولي وشملا وأوروزدي باك، وبالمصري عمر أفندي. 

• • • 

إلى فلسطين.. وصل اليهود من أوروبا الشرقية.. في شكل عصابات؛ أهمها كتائب الدفاع الذاتي «هاجانا»، والمنظمة القومية العسكرية «إرجون»، والمحاربون من أجل حرية إسرائيل «شتيرن».. حتى جمعهم جيش الاحتلال (الدفاع) الإسرائيلي «زاحل». أقاموا المذابح للفلسطينيين؛ وفي مقدمها وأشهرها.. الطنطورة ودير ياسين وصفصاف وسعسع، وآخرها غزة. 
كتب موشيه ديان عن هذه الحروب – التي هي بين الأشهر في حروب التطهير العرقي في التاريخ – فقال: «لم تكن هناك قرية يهودية واحدة، لم تُبنَ فوق موقع لقرية عربية». 

كانت هناك دائماً دولة عظمى.. تقدم لإسرائيل – في حروبها – الحماية السياسية الدولية، والسلاح والدعم المادي، وأحياناً الدعم البشري.. من مقاتلين مزدوجي الجنسية، وأحياناً بالتدخل المباشر، أو التهديد به.. لفرض السلم على الطرف.. أو الأطراف العربية. كان هناك أيضًا الزعيم البريطاني المعتنق الصهيونية، ونستون تشرشل في مرحلة، وجوزيف بايدن في مرحلة أخرى.. بعد أكثر من سبعين عاماً. وبين المرحلتين، تاريخ أسود لزعماء غربيين، وأحزاب ومجالس تشريعية برمتها.. خضعت لنفوذ صهيوني متفاقم. 

• • • 

السؤال المطروح الآن، هو: أي حال سوف ينتهي إليه الصراع في نهاية المرحلة الراهنة؟  

تتعدد الآراء في تقييم ما أنجزه – ولم ينجزه – «طوفان الأقصى». 
أولاً: رأي يقول، لن يعود الإقليم العربي إلى ما كان عليه شكلاً أو موضوعاً. سقط مجدداً، وبعنف، كثير من معالم ما جرى تعريفه.. في نهاية السبعينيات من القرن الماضي بالنظام الإقليمي العربي. سقط مثلًا – أو انكشف سقوط – أكثر مكونات عملية التكامل القومي في الاقتصاد والتعليم والموارد، لكن سقطت تماماً – وبقسوة شديدة – عملية لم تكن بدأت، وهي التكامل الأمني بين دول الإقليم العربي.  

سقطت فكرة وحلماً، وتسقط متدرجة.. في نظر الأكاديميين، كنظرية صالحة للتطبيق عربياً. 

• • • 

ثانياً: رأي آخر يقول، حتى لو اعترفنا بسقوط معالم – وبعض أسس – النظام الإقليمي العربي، ورأينا بعيوننا، ولمسنا بأيدينا.. شروخه – وبعضها لا شك غائر – لا يمكن إنكار القوة الهائلة التي تفجَّرت، فسرت في عروق جيل – بل أجيال – كان قد تقرر لها أن تستسلم.. بالجبر أو الرضا السلبي، لعقيدة.. أو فلسفة اتفاقات التطبيع، التي أُبرم أكثرها وراء ستار كثيف من الخداع الإعلامي والسياسي. الستار انكشف في الطوفان؛ متسبباً في حالة غليان في عروق الشعوب، وبالتالي احتمالات لتطورات كثيرة، لم تدخل في حساب أهل التطبيع. 

• • • 

ثالثاً: هل هي حقيقة واقعة، أن أمن أي دولة عربية.. صار إقراره وتثبيته من مسؤوليات إسرائيل؟ بالتعاون مع أمريكا.. أو حتى بدونه. بمعنى آخر، صار شرطاً مقبولاً ضمنياً.. أن تشترك إسرائيل فى إقرار أو رفض مد دول غربية لدول عربية بأسلحة معينة.. أو متطورة إلى حد معين؟!  

لاحظ أن الكونجرس الأمريكي يراقب مدى التزام الحكومة بهذا الموضوع؛ بحكم خضوع معظم أعضائه للمال الصهيوني، وعنصرية بعضهم تجاه العرب والمسلمين. 

• • • 

رابعاً: صار يقترب من الحقيقة الواقعة الرأي المنتشر بكثافة، ليس فقط بين الكُتاب والمعلقين من أصول عربية، لكن أيضاً بين الأجانب. يقول هؤلاء إن الوجود المكثف لليهود، خاصة الصهاينة منهم، في أعلى مواقع اتخاذ القرار السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي، يثير علامات استفهام عديدة وأسئلة حول ما آل إليه القرار السيادي في الولايات المتحدة، القطب الأعظم وصاحب الهيمنة في كل دوائر صنع القرار الدولي. 

• • • 

خامساً: إلا أن هناك من راح ينبه إلى خطورة استمرار هاتين الحقيقتين.. على السلم الأهلي داخل أمريكا. أمريكا دولة عظمى، لكن غير خافٍ اعتلال صحتها.. بخاصة في البنى التحتية، وفي قطاع علاقة الدولة بالأقليات والهجرة، وكذلك في علاقة الأقليات ببعضها البعض؛ وبشكل خاص.. ما اتضح مؤخراً – ونتيجة غير مباشرة للطوفان – عن الأبعاد الملموسة لهيمنة الأقلية الصهيونية.. على مقدرات الدولة والوظائف العليا؛ مثل وظائف البيت الأبيض، والأمن القومي، والدبلوماسية. 

• • • 

سادسًا: صارت مزحة.. يتداولها الدبلوماسيون في الأمم المتحدة وخارجها، وفي مجالسهم الاجتماعية، كما لاحظت شخصياً خلال الأمسيات الدبلوماسية التي تُعقد في القاهرة. أكتب عن الحديث الدائر عن حال التناقض «الهزلي»، في التصريحات الرسمية الأمريكية.. عن تطورات الحرب ضد غزة ولبنان؛ وبخاصة تلك التى تصدر عن الوزير بلينكن والرئيس بايدن، وكلاهما – وبلسانه – صهيوني الهوى أو العقيدة أو الاثنان معًا. أحدهما يصرح بضرورة وقف القتال، أو بأفضلية قتل عدد أقل من المدنيين. فيسارع الآخر ليصرح بعزم أمريكا، والتزامها الدفاع عن إسرائيل.. مهما فعلت، ومهما كانت التضحيات. وفي الغالب، يصدر بعدهما تصريح من مسئول ثالث في البنتاجون.. عن قراره إرسال حاملة طائرات ثانية – مع مجموعتها – إلى شرق البحر المتوسط؛ ترهيباً للطرف العربي وحلفائه، وتشجيعاً للمطبعين.. على الالتزام باتفاقيات التطبيع، وعدم الانصياع للضغط الشعبي، ومساندة الطرف الآخر.. للاستمرار في حرب الإبادة، التي يشنها ضد الفلسطينيين وشيعة لبنان. 

• • • 

سابعاً: عطفاً على بعض ما سبق، وكثير من الحادث فعلاً في أنحاء متفرقة من أوروبا، أسأل مرة أخرى مع السائلين.. إن كانت الصهيونية العالمية صارت – بحكم ما نرى – قريبة جداً.. من أن تصبح الطرف القابض فعلاً.. على مفاتيح السلم العالمي؛ بمعنى آخر.. تزداد قدرتها على إثارة القلاقل في مواقع متباينة، وتمتلك قدرات على المنح والمنع.. في قطاعات مهمة؛ مثل الشركات الكبرى والقطاعات المتطورة والأحدث.. في مجالات التكنولوجيا، وتدفق الاستثمارات، وأجهزة الإعلام الكبرى، والفنون – مثل السينما والموسيقى – وكثير من أجهزة الاستخبارات العالمية، والجامعات الكبرى في دول الغرب.  

الأهم – من وجهة نظري – ما تعلق بقدرتها على إشعال الحروب الكبرى والصغرى.. على حد سواء. لا يغيب عن بالنا سعيها المتواصل.. لإشعال حرب كبرى في الشرق الأوسط ضد إيران، وحروب صغيرة في أفريقيا، وحرب أهلية في لبنان. 

• • • 

ثامناً: أسأل أيضًا مع السائلين – وهم كثر – إن كانت إسرائيل تفرض (أو تمارس) على منطقة الشرق الأوسط ..حالة سلم إسرائيلي، وإن كان بعضنا – إن لم يكن أكثرنا – صار متقبلًا هذا الوضع أو تعوَّد عليه. أسجل هنا عدداً من الملاحظات: 

 أ: هوكشتين، المبعوث الرسمي للرئيس بايدن للتوسط في مسألة الطاقة بين لبنان وإسرائيل وعاد بعدها لمهمات أخرى، كان يعرِّف نفسه في لقاءاته الثنائية أنه.. ضابط في الجيش الإسرائيلي، ومحامي إسرائيل في محادثات أوسلو. نقلت عنه مجلة بوليتيكو – وعن آخرين في مجلس الأمن القومي – وصفهم للعمليات العسكرية الجارية ضد لبنان بـ«اللحظة التاريخية الحاسمة، التي ستعيد تشكيل الشرق الأوسط لسنوات مقبلة». 
ب: الرئيس بايدن قدَّم نفسه – لنا وللعالم – بصفته صهيوني الهوى والعقيدة، وإن كان مسيحي الديانة. 
ج: السيد بلينكن وزير الخارجية – في أول مهمة له في الشرق الأوسط، ودون طلب من أحد – قدَّم نفسه كيهودي. 
د: نفتالي بينيت – رئيس سابق للحكومة الإسرائيلية – صرَّح مؤخراً بأن إسرائيل لديها فرصة نادرة.. لملاحقة البرامج النووية الإيرانية، وأضاف: «إنها أعظم فرصة لإسرائيل منذ خمسين عاماً.. لتغيير وجه الشرق الأوسط». 
هـ: منظر نتنياهو – حاملاً حقيبة خرائطه الشهيرة عن الشرق الأوسط – وهو يعرض الخرائط على العالم بأسره.. من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي ومناسبات أخرى عديدة. إحداها انتقصت مساحات من دول عربية ذات سيادة.. و«مطبعة»، غير ما ضمته من غزة والضفة الغربية ولبنان «المأزومة». 
و: لم تتردد حكومة إسرائيل.. في سحب اعترافها بالأونروا، وحصانة قوات اليونيفيل ،ومبعوثى الأمين العام للأمم المتحدة، ورؤساء الوكالات الإنسانية التابعة للمنظمات الدولية، ورفض التعامل مع رؤساء حكومات الدول.. المختلفة مع سياسات إسرائيل في الشرق الأوسط. 

• • • 

أتصور أن الأزمة الراهنة – التي تسببت فيها حكومة إسرائيل المتطرفة.. بأعمالها العدوانية والشرسة ضد الفلسطينيين في الضفة على امتداد شهور – لم تقارب نهايتها، لأنها – فيما أعتقد – صارت واحدة من أزمات عديدة.. تتفاقم مؤخراً؛ أملاً في أن تحظى بمكان في اهتمامات القوى المنشغلة بتعديل النظام الدولي الراهن، والأخرى التي تقاوم جهود التعديل والتغيير. 

نقلاً عن «الشروق» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.