شهدت إسرائيل في الأيام الأخيرة سلسلة من الهجمات الصاروخية من اليمن، كان أبرزها الهجوم الذي استهدف تل أبيب في 21 ديسمبر 2024، عندما أطلق الحوثيون صاروخًا باليستيًا أصاب ملعبًا في المدينة. ورغم الجهود الإسرائيلية لاعتراض هذا الصاروخ، فشل نظام الدفاع الجوي في التصدي له بشكل فعال، مما أثار تساؤلات حول فعالية هذه المنظومات في مواجهة تهديدات من هذا النوع. فهل يكمن الفشل في ضعف النظام الدفاعي أم في التطور التقني للصواريخ الإيرانية؟
تفسير الفشل: السيناريوهات المحتملة
بحسب تحليل نشرته صحيفة يديعوت الإسرائيلية، يمكن تفسير فشل اعتراض الصاروخ الحوثي بعدة سيناريوهات. الأول يتعلق بإطلاق الصاروخ في مسار باليستي “مسطح”، مما قد يكون جعل أنظمة الكشف الإسرائيلية والأميركية غير قادرة على تحديده في الوقت المناسب، وبالتالي لم يكن هناك وقت كافٍ لتنفيذ اعتراض فعّال.
أما السيناريو الثاني، والذي يعتبره البعض الأكثر احتمالًا، فيتعلق بتطورات تكنولوجية إيرانية. وفقًا لهذا السيناريو، قد يكون الحوثيون قد استخدموا صواريخ مزودة برؤوس حربية قابلة للمناورة. هذه الرؤوس الحربية يمكن أن تنفصل عن الصاروخ وتغير مسارها أثناء الطيران، مما يصعب على الأنظمة الدفاعية اعتراضها بشكل فعال.
التحديات الناتجة عن الرؤوس الحربية المناورة
السبب وراء تعقيد اعتراض الصواريخ الإيرانية يعود إلى تطور تقنيات الرؤوس الحربية. فالرأس الحربي الذي يدخل الغلاف الجوي بسرعات تصل إلى 5 ماخ (خمسة أضعاف سرعة الصوت)، يمكنه استخدام محركات صاروخية صغيرة أو زعانف للتوجيه أثناء مرحلة المناورة، ما يجعله يشكل تحديًا كبيرًا على الأنظمة الدفاعية. هذا النوع من الصواريخ كان قد تم استخدامه في الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل، حيث استهدفت القواعد الجوية في تل نوف ونيفاتيم.
إيران، بالتعاون مع الحوثيين، قد تكون قد طورت طريقة لإطلاق هذه الصواريخ في مسارات باليستية منخفضة، مما يزيد من تعقيد اعتراضها. وتعد هذه القدرة على المناورة أثناء الطيران أحد الأسباب التي تجعل من الصعب على الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية التصدي لها.
التساؤلات حول أداء الدفاعات الإسرائيلية
رغم أن إسرائيل تمتلك منظومات دفاع جوي متطورة مثل “القبة الحديدية”، “مقلاع داود”، و”آرو”، إلا أن الحوادث الأخيرة تثير تساؤلات حول قدرتها على التصدي للتهديدات المتزايدة. فقد أظهرت التحقيقات الأولية أن العديد من الصواريخ الاعتراضية فشلت في تدمير الصاروخ الحوثي الذي ضرب تل أبيب، مما يسلط الضوء على محدودية فعالية هذه المنظومات في مواجهة أنواع معينة من الهجمات.
وتعتمد الدفاعات الإسرائيلية على عدة طبقات، لكل منها دور محدد في اعتراض التهديدات على مسافات وارتفاعات مختلفة. لكن المشكلة الكبرى تكمن في القدرة المحدودة لكل طبقة، خاصة إذا ما تم إغراق النظام بعدد كبير من الصواريخ في وقت قصير، كما يمكن أن يحدث في حال تعرض إسرائيل لعدة هجمات منسقة في نفس الوقت.
التهديدات المستقبلية
يبقى السؤال الأهم: ما الذي يجعل هذا الفشل مقلقًا؟ إذا نجحت إيران في تطوير رؤوس حربية نووية لهذه الصواريخ، فإن القدرة على اختراق نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي ستصبح تهديدًا وجوديًا. إذ أن أي صاروخ نووي يمكن أن يخترق الدفاعات الإسرائيلية سيتسبب في دمار كارثي، مما يزيد من الحاجة الملحة لتحسين أنظمة الدفاع والتصدي لمثل هذه التهديدات المتطورة.
التحديات التقنية في الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية
المشاكل التقنية التي قد تواجهها المنظومات الدفاعية الإسرائيلية تساهم أيضًا في إضعاف قدرتها على التصدي للصواريخ المتقدمة. بحسب بعض الخبراء، لا تتمكن القبة الحديدية دائمًا من تدمير الصواريخ بشكل كامل، حيث ينفجر الصاروخ الاعتراضي بالقرب من الهدف دون أن يؤدي ذلك إلى تدمير الرأس الحربي بشكل نهائي.
علاوة على ذلك، فإن تكلفة اعتراض صواريخ منخفضة التكلفة باستخدام صواريخ اعتراضية عالية التكلفة، مثل تلك المستخدمة في القبة الحديدية، تعتبر غير مستدامة في الصراعات الطويلة الأمد. فاعتراض صاروخ واحد باستخدام هذه المنظومات يمكن أن يكون مكلفًا للغاية مقارنةً بتكلفة الصاروخ الذي يتم اعتراضه.
الصواريخ الفرط صوتية
من بين التحديات الكبيرة التي تواجه الدفاعات الإسرائيلية هي الصواريخ الفرط صوتية، مثل صاروخ “فلسطين 2” الذي أطلقه الحوثيون. هذا الصاروخ يتمتع بقدرة على المناورة خلال مساره، مما يجعل من الصعب تتبعه أو اعتراضه باستخدام الأنظمة الدفاعية التقليدية. وبفضل سرعته الكبيرة التي تصل إلى 19,600 كيلومتر في الساعة، فإنه يصل إلى هدفه في أقل من 10 دقائق، ما يترك وقتًا قصيرًا جدًا للرد.
الصواريخ الفرط صوتية تتميز بقدرتها على تجاوز 5 أضعاف سرعة الصوت، مما يجعل من الصعب على أنظمة الرادار التعرف عليها أو اعتراضها في الوقت المناسب. وبالتالي، فإن الدفاعات الإسرائيلية تواجه تحديًا كبيرًا في التعامل مع هذه الأنواع من الصواريخ.