Times of Egypt

ليبيا.. الطريق إلى أفغانستان! 

Mohamed Bosila
عادل نعمان  

عادل نعمان  

السيد وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة «عماد الطرابلسي» – الذي تعهد سابقاً بإخلاء طرابلس من الميليشيات المسلحة – أصدر مجموعة تصريحات.. يثبِّت بها أوتاد هذه التيارات في البلاد، بل يعطيها شرعية رسمية، تطارد بها المخالفين في الشوارع، ويتناسى أن الحكومة المؤقتة التي ينتسب إليها.. مهمتها تسيير حركة البلاد، وليس رسم السياسات العامة مؤقتاً.. لحين استقرار الأوضاع. فضلًا عن أن حكومته تدير شرق البلاد وجنوبه فقط؛ فقد منع حضرته الاختلاط بين الجنسين في المقاهي والمطاعم والأماكن العامة، ومنع استيراد الملابس غير المناسبة للجنسين، وقرر تفعيل شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتكثيف دوريات شرطة الآداب في الشوارع من الشهر القادم، وسيمنع «صيحات» الشعر غير المناسبة، ويمنع سفر المرأة دون محرم «تمت إعادة سيدتين ليبيتين من تونس سافرتا دون محرم»، وتوعَّد بملاحقة كل من يدون أي محتوى غير لائق.. عبر منصات التواصل الاجتماعي، وإغلاق المقاهي التي تقدم الشيشة، والتزام النساء بالحجاب عند الخروج إلى الشارع، واختتم قراره بتحذير أصحاب البلد «أن من يريد العيش بحرية.. فليذهب إلى العيش في أوروبا». 

السيد الوزير قد نصب نفسه ولياً لأمر النساء والشباب والبلاد والعباد، وبدلاً من إجلاء الجماعات المتطرفة عن البلاد.. إذا به يطالب أصحابها بالجلاء في تحدٍّ سافر، وأظن أن السيد الوزير لما فشل في إجلاء الإرهابيين والتنظيمات المسلحة والميليشيات عن العاصمة.. «كما تعهد والتزم» – التي تجوب البلاد على «عينك يا تاجر» وتتقاتل فيما بينها وضحاياها من المدنيين العزل، وترتكب من الموبقات والفساد والإفساد والسلب والنهب ما تسيء به إلى الإسلام والأديان – فإنه قد رأى أن إجلاء الشعب أيسر وأسهل، وكذلك فإن الميل ناحية الجبهة الأقوى أفضل كثيراً، تماشياً مع المثل «إللي ما تغلبوش صالحه» أو «إللي ماتقدرش عليه صاحبه»، فيكسب ود هذه التيارات، فربما يكون السيد الوزير قد نما إلى علمه أن الحكومة الدائمة.. ربما يشكلها تيار من هذه التيارات أو الميليشيات المسلحة، فيكون قد سبق الجميع وضمن نصيبه من الكعكة قبل خروجها من نار الفرن. 

وليس المجال هنا.. في تفنيد قراراته المخالفة لحقوق الإنسان، بل مخالفتها الشريعة الإسلامية الصحيحة، وأنها من نبت أفكار الفقهاء.. متفقة مع زمانها وأوانها وظروف الناس، وتقلصها على مستوى العالم الحر، بل إن البلد الذي صدَّر هذه القوائم للعالم، قد حذفها من قاموسه الحياتي، وعاد المجتمع إلى طبيعته الإنسانية السوية. إلا أنني لست من الذين يؤيدون فكرة ترسيخ القيم والأخلاق بالقوة والمطاردات، أو التصدي للعري والفجور – كما يزعمون – بفرض الحجاب أو النقاب، فالفاحشة تُرتكب دون ساتر أو غطاء، ولا ضمانة أن يكون الحجاب مسوغاً للعفة، أو رادعاً للابتذال والمجون، وأن السفور مُيسر للخلاعة، ومُسهل للفجور، ولن يقيد حركة المرأة إن أرادت انحرافاً، بل لن يمنعها، فكم عانت شعوب وأمم من جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومطاردتها للمخالفين بالعصا في الشوارع، فما قوَّمت معوجاً، ولا عدلت مائلاً، ولا رأبت صدعاً، ولا صوَّبت فاسداً أو منحرفاً، بل تحايلوا وخادعوا وراوغوا، وظل كل منهم على شاكلته. 

وليس من الحكمة والصواب.. أيها السيد الوزير وغيرك، اختصار المسافة، «وحط» كل مشاكلنا وإخفاقاتنا وخيبة أملنا وسوء اختياراتنا وأيضاً الانحراف الأخلاقي.. على أبواب السفور والاختلاط واللباس وقص الشعر، أو كما يقولون «البعد عن الشريعة»، واكتشاف الحل في العودة إلى حظيرتها، والدخول، وغلق الباب بالضبة والمفتاح فوراً.  

هذا يا سيدي هروب من الواقع، وعدم القدرة على مواجهة ما يعانيه الشعب الليبي من ضياع ثرواته.. على الحروب والقتال الذي تتصنعه هذه الجماعات، وما يكابده الشعب من فقدان الأمن والأمان.. الذي أضاعته هذه الجماعات، وحولت بوصلة المجتمع إلى الأحقاد والضغائن والانقسامات الطائفية.. وهي لا تجيد سواها، وبدلاً من البحث عن منظومة مدنية تدير البلاد بأسلوب علمي حر، فقد رمتها برمتها في بؤرة الجهل والتخلف والفوضى. 

السيد عماد الطرابلسي.. خريج جماعة الإخوان «غير معلوم مؤهله الدراسي».  

عليك قراءة المشهد جيداً، وعليك أن تتابع وتراقب ما يجري في أفغانستان، وما تمارسه طالبان من عنف وتطرف ضد الشعب والنساء، وكيف تفرغوا لإقامة الحدود وأهملوا الزراعة والصناعة، وفرضوا النقاب وحرمان المرأة من التعليم، فانهارت العملية التعليمية كاملة، وعمَّ الجهل والتخلف أنحاء البلاد، وتبنيهم أحكامًاً.. زعموا أنها سوف تجلب الخير للبلاد والنعيم للعباد، فما ربحوا وما غنموا إلا من زراعة الأفيون فقط.. الذي أصبح مصدر رزقهم.  

أفغانستان.. يا سيد عماد، ذهبت منذ نصف قرن أو أقل، ولن تعود.. وهذه حقيقة، فاحذر أن تسافر ليبيا دون عودة، والتاريخ شاهد ولا يكذب.  

«الدولة المدنية هي الحل». 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.