Times of Egypt

له أن يسأل.. ولنا أن نجيب!

Mohamed Bosila
أحمد عبدالمعطي حجازى

أحمد عبدالمعطي حجازى

نحن نرى – وكثيرون في العالم يرون معنا الآن – أن إسرائيل.. التي بدأت في نظر الكثيرين، وكأنها ملجأ لجماعة بشرية – ظلت طوال تاريخها تواجه الاضطهاد، ولا تجد منه حيثما حلت مهربا – أسفرت عن وجهها الحقيقي.. الذي لم يعد خافيا، ولم يعد مجرد قصص تُروى، ويختلط فيها الخيال بالواقع.. لنرى هذا الوجه الشرير، ويراه معنا العالم كله.. منقولا بالصور الحية ساعة بساعة؛ لا يستطيع أحد أن ينكره، أو يتشكك فيه. ولا تملك المنظمات الدولية – ومنها ما هو واقع تحت ضغوط القوى الكبرى – إلا أن تقر بوجوده وتدينه.

ولا يستطيع الضمير الإنساني الحي.. متمثلا في مفكرين وكتاب، وفنانين كبار، أن يواصلوا صمتهم إزاءه، وترددهم بين ضحايا اليوم.. متمثلين في شعب يتحول كل يوم – بل كل لحظة – تحت عجلات هذه الآلة الجهنمية.. إلى أكوام؛ رجاله ونساؤه، وشبابه وشيوخه وأطفاله، ومدنه وقراه، ومدارسه ومعابده. لا يستطيع صاحب ضمير حي.. أن يتردد في التمييز بين الجاني الحقيقي، والضحية الحقيقية. وهذا ما أعلنه المخرج السينمائي البريطاني جوناثان جلايزر – الفائز بجائزة الأوسكار.. عن فيلمه الذي شاهده العالم كله، وصور فيه اضطهاد الألمان النازيين لليهود – يقول هذا الرجل النبيل: إن فيلمي هذا لا يقدم الآن ما صنعه الألمان باليهود، بل يقدم ما يصنعه الإسرائيليون بالفلسطينيين.

هذه الشهادة، كان لها صداها في أنحاء العالم، وكان لها معناها وتأثيرها؛ لأنها صدق مطلق، فجوناثان جلايزر.. ليس مجرد فنان كبير، ولكنه فنان ويهودي.. فلا يستطيع الإسرائيليون ومن يصفقون لهم – في الولايات المتحدة وفي أوروبا – أن يتهموه بالعداء للسامية، فضلا عن أن هذا المخرج السينمائي البريطاني.. ليس المثقف اليهودي الوحيد، الذي يقف الآن هذا الموقف الشامخ النبيل، وإنما يشاركه فيه مثقفون آخرون يهود كبار، ومنهم إسرائيليون؛ يدفعهم دافعان اثنان: اعترافهم بما يعانيه الفلسطينيون على أيدي الإسرائيليين الآن، وبما عانوه على أيديهم من قبل.. واستنكارهم له، وتوقعهم لمصير رهيب.. سوف يلقاه الإسرائيليون، وتلقاه إسرائيل، نتيجة لهذه السياسة الشريرة.. التي تتبعها حكومتها ومن يصوتون لها، وهذا المصير هو السؤال المطروح الآن على الجميع.

■ ■ ■

نعم، إسرائيل تبدو كيانا عسكريا قويا.. إذا قورنت بضحاياها. وقد ظهرت هذه القوة في معظم الحروب التي خاضتها معهم، ومع من يقف في صفهم ويدافع عنهم. لكن إلى متى؟ ومن أي المصادر تستمد إسرائيل هذه القوة؟

والواقع، أن هذا السؤال كان مطروحا دائما.. حتى قبل قيام إسرائيل. طرحه اليهود على أنفسهم.. حين أخذ هرتزل يدعو لإنشاء كيان يضم يهود العالم في فلسطين، التي قال عنها هرتزل الكذاب إنها وطن بلا شعب، فهي حق لشعب بلا وطن!

بالنسبة لليهود، كانت الدعوة لقيام كيان يهودي.. دعوة سياسية؛ أيدها فريق، وعارضها فريق آخر. المؤيدون – وخاصة يهود أوروبا الغربية – اعتبروا هذا الكيان شكلا من أشكال الاستعمار.. الذي وضع فيه الغرب يده على نصف العالم فى القرون الثلاثة الماضية، فبوسع اليهود الغربيين أن يكون لهم – في هذه المستعمرات – كيان يجمع بينهم، ويعمل لصالح الحكومات الغربية، التي ستساعدهم في إقامته، لأنه سيكون مستعمرة.. ترتدى ثيابا توراتية، تنال بها عطف الغربيين المتدينين، وتحظى بتأييدهم.

أما الفريق الآخر، فقد عارض المشروع الصهيوني؛ الذي اعتبره هذا الفريق – وخاصة رجال الدين – خلطا بين السياسة والدين، فضلا عن أنه استعمار؛ أي عدوان على الشعب الذى سيقام هذا الكيان في وطنه.

غير أن الفريق الأول.. هو الذى رجحت كفته، لأنه راهن على كسب تأييد الغرب الاستعماري لمشروعه، وهذا ما حدث بالفعل، وقامت إسرائيل.. لتدخل في حرب طويلة متصلة مع الفلسطينيين.. أصحاب البلد، ومع أشقائهم.. الذين يدافعون عنهم وعن أنفسهم؛ فإسرائيل.. ليست خطرا يهدد مكانا واحدا، وإنما هي خطر يهدد العالم كله، وهذا ما أدركه الذين تحرروا من الاستعمار الغربي، ومن الوصاية الاستعمارية، وأصبحوا قوة سياسية وأخلاقية يحسب لها حساب.. في أي نزاع ينشأ بين أي طرف من أطرافها، وبين الدول الكبرى.. التي لم تكف – حتى الآن – عن فرض إرادتها على الدول الصغيرة، وهذا ما رأيناه بوضوح في هذه الحرب؛ حرب الإبادة.. التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني الأعزل، وفيها وقفت حكومات الغرب إلى جانب الإسرائيليين.. تؤيدهم وتشجعهم وتمدهم بالمال والسلاح، وفيها وقفت شعوب العالم في كثير من الدول إلى جانب الفلسطينيين.

ومن الطبيعي في هذا الصراع – الذي أصبح مسألة حياة أو موت – أن يُطرح السؤال من جديد.. وإن تغيرت صيغته؛ فبدلا من أن يكون عن وجود إسرائيل، أصبح عن بقاء إسرائيل، أو عن نهايتها. وهذا هو عنوان الكتاب.. الذي أصدره كاتب يهودي أمريكي قبل اثنين وعشرين عاما، في الذكرى الخمسين لقيام هذا الكيان الشرير.

في تلك الذكرى، احتفل اليهود بنجاحهم في التغلب على كل الموانع، والعقبات التي كانت تحول بينهم وبين تحقيق حلمهم قبل خمسين عاما. لكن مؤلف الكتاب أوري وزولي احتفل بالذكرى.. في الوقت الذى تغير فيه العالم، وتغيرت فيه إسرائيل أيضا؛ فلم تعد مكتفية بما حصلت عليه وقت قيامها، وإنما وضعت يدها على بقية فلسطين وعلى ما يليها، وأصبحت هذه الأراضي الجديدة التي احتلتها إسرائيل.. مستعمرات مسلحة، لا يجد أصحابها الفلسطينيون لأنفسهم مكانا فيها، فلا بد أن يلجأوا للهجرة. وهكذا أخذ الصراع يشتعل من جديد، ويشتد ويصبح السؤال مطروحا.. عن وجود إسرائيل في المستقبل. وهذا ما عالجه أوري وزولي في كتابه الذي وضع له هذا العنوان: «هل ستبقى إسرائيل حتى عام ٢٠٤٨؟»، أي حتى يحتفل الإسرائيليون بالذكرى المئوية لقيامها؟!.

■ ■ ■

وأوري وزولي، يركز في كتابه.. على السياسة العدوانية التي تتبعها إسرائيل، وتجعل فيها بقاءها مرهونا بقوتها العسكرية، بدلا من أن تتبع سياسة «اليد الممدودة»، التي يكون بقاؤها مضمونا فيها.. بالتفاهم الذي يتحقق – في نظره – لو انسحبت من الضفة الغربية وغزة، واعترفت بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم. وهنا يصبح السؤال – الذي يحق لنا أن نطرحه على المؤلف – هو: هل يستطيع كيان قام بالعنف والإرهاب، وأسس وجوده على العنف والإرهاب، أن يتنازل عن العنف والإرهاب، ويلجأ للتفاهم مع شعب يملك كل الحق في أن يسترد ما فقده، إن لم يكن اليوم فغدا وبعد غد؟.

… الحديث يطول، ولا بد أن يطول، فالسؤال الذي طرحه أورى وزولى مطروح بإلحاح، وبصيغ مختلفة في كتابات كثيرة، من واجبنا أن نطلع عليها ونناقشها، وأن نطرح الأسئلة التي تطرحها، ونقدم فيها إجاباتنا.. التي تتفق مع حقوقنا الثابتة، التي لا يستطيع إنكارها أحد.

وإذا كان أوري وزولي، يعتقد أن الإسرائيليين لا حق لهم فيما حصلوا عليه بالقوة، فكلامه هذا لا ينطبق على الضفة الغربية وغزة فحسب، بل ينطبق على كل فلسطين.

نقلا عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.