Times of Egypt

لن تستطيع إرضاء الجميع!

Mohamed Bosila
سمير مرقص 

سمير مرقص..

من أهم وأمتع المذكرات.. التي صدرت هذا العام، تلك التي كتبها المفكر والروائي والمؤرخ والناشط وكاتب السيناريو والمثقف البريطاني (الباكستاني الأصل) طارق علي (81 عاماً). إذ جددت المذكرات – الواقعة في أكثر من 700 صفحة، المكتوبة بلغة أدبية رفيعة المستوى لا تخلو من التحليل السياسي العميق – الحديث عن الكثير من الوقائع التي عاصرها، والشخصيات التي قابلها، والأماكن التي ارتحل إليها الكاتب. غطى الكتاب رحلة طارق على الفكرية والسياسية والإبداعية.. على مدى 45 سنة من حياته؛ ابتداءا من 1980 وحتى 2024.
جاء عنوان الكتاب.. أشبه بخلاصة تجربة طارق علي، بلورها في رسالة إلى قارئ المذكرات، وذلك كما يلي: لن تستطيع إرضاء الجميع1980-2024 You Can’t Please All: Memoirs؛ فلقد كانت هذه الفترة مشحونة بتحولات جذرية.. سجلها طارق علي، وقدم رؤيته حولها.. في سفر ضخم، مقسم إلى أربعة كتب رئيسية – أسفار – تجمع بين الرؤية للعالم والذات والأحداث السياسية، وذلك كما يلي:
الكتاب/السفر الأول: نهاية القرن، وقسمه إلى قسمين: أولاً:قبل السقوط، وثانياً:الأصدقاء والرفقاء. الكتاب/السفر الثاني:فاصل عائلي. الكتاب/السفر الثالث:القرن العشرون الطويل؛ وقسمه على قسمين: أولاً:حروب قديمة وجديدة، وثانياً: السياسة والأدب. الكتاب/السفر الرابع:ملاحظات.
تمحورت موضوعات الكتاب حول السياسة وإشكالياتها.. على مدى أكثر من أربعة عقود ونصف عقد.تناولها طارق علي.. من خلال سرد رشيق، متحرر من الصرامة العلمية، مدعوم بوثائق وصور، ورسائل متبادلة بينه وبين شخصيات بارزة، ونصوص مقتطفة.. من أعمال أدبية، ونقاشات مع شخصيات سياسية معتبرة.
ومن الموضوعات التي قاربها طارق علي: الواقع الاقتصادي والسياسي البريطاني.. إبان الحملة الانتخابية التي سبقت انتخاب «مارجريت ثاتشر»، وتداعيات انتخابها، المواقف السياسية التي على اليسار أن يتبناها.. لمواجهة ما ترتب على انتخاب كل من «ثاتشر وريجان»،وانتهاج نظام اقتصادي.. ستكون له آثاره على الطبقة الدنيا عامة، والطبقة العاملة خاصة. كما خصص مساحة لرحلته إلى الاتحاد السوفيتي.. التي أجراها منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ورصده التفصيلي للأسباب والكيفية.. التي أدت إلى تفكيك/انهيار الاتحاد السوفيتي. إضافة رحلات أخرى.. إلى الهند وباكستان، وبوليفيا وفنزويلا، والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل، وطرابلس، ودمشق، وديار كبير، والعراق.
كما تناول شخصيات كثيرة.. بالكشف عن المعلومات المخفية، وبالتحليل وإبداء الرأي فيها: أولاً:شخصيات سياسية؛ مثل: ستالين، وتشرشل، وإدوارد هيث، وأوباما، وبلير، والناشط الحقوقي الصيني الحاصل على نوبل للسلام في 2010 ليو شياوبو. وثانياً: مفكرون/مثقفون/فنانون/أدباء مثل: أورويل، وبابلو نيرودا، وماركيوز، وإدوارد طومسون، وبيري أندرسون، وبينيديكت أندرسون، وإدوارد سعيد، وأوليفر ستون، وجون لينون،… إلخ.
في خضم مقاربته للشأن العام الكوكبي والبريطاني.. ألقى طارق علي الضوء على أسرته؛ التي يتحدث عنها تفصيلاً، ويُبرز تأثيرها عليه.. نظراً لدورها السياسي النضالي. فالجد هو الزعيم الإسلامي البنجابي المعروف «السير سيكاندار حيات خان». والأم هي الناشطة السياسية «طاهرة حيات». والأب هو الصحفي «مظهر علي خان».
وفي نهاية المجلد، وثَّق طارق علي حياته؛ من خلال ترتيبها زمنياً (فيما يُعرف بالكرونولوجي.. منذ ميلاده عام 1943). لقد كان طارق علي – في مجلده – صريحاً ودقيقاً وحاسماً.. في كل ما قارب من قضايا وشخصيات. لذا جاء العنوان الذي اختاره لمجلده يشي بأن الحقيقة – بالضرورة – لن تجلب الرضا.
تُعد مذكرات طارق علي.. الصادرة هذا العام، هي الحلقة الثانية من سلسلة مذكراته. فلقد سبقها كتاب صدر في عام 1987 عنوانه: سنوات النضال في الشارع: سيرة ذاتية للستينيات؛ الذي أعيد طبعه أكثر من مرة (في 2005 و2018 ويقع في 400 صفحة)..نظراً لمقاربته عقد الستينيات، الذي اعتبره عقد الثورة، ورصده للتغيير.. الذي حل على الكثير من الأوضاع السياسية، والبنى في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ما دفعه إلى وصفه بـ «عقد الأزمنة المتحولة/المتغيرة».
المجلدان يقدمان قراءة تاريخية للعالم والذات – على مدى ما يقارب القرن من الزمان – من وجهة نظر حركة اليسار الجديد.. التي انطلقت نهاية الخمسينيات من القرن الماضي في إنجلترا؛ التي انحازت إلى الخيار الديمقراطي، وأدانت النزعة الستالينية.. في إدارة التجربة السوفيتية، مع التحرر من «الدوجما» الأيديولوجية، وناضلت فكرياً وعملياً.. ضد الرأسمالية في تجليها النيوليبرالي.
واستهدفت صياغة رؤية يسارية-برامجية.. ذات بُعد إنساني تراعي – إضافة إلى الطبقة العاملة – حاجات المواطنين الكلية، وتعمل على تحريرهم على جميع المستويات. وقد لعب طارق علي دوراً كبيراً في تأصيل رؤية اليسار الجديد.. من خلال انتمائه لهذا التيار، وذلك بانخراطه في النضال السلمي.. في العملية السياسية البريطانية من جهة، وعضويته في هيئة تحرير الدورية الأشهر في هذا المقام..دورية «اليسار الجديد»، التي لم تزل تصدر.
لا تتوقف إبداعات «طارق علي» على مذكراته، ومقالاته في دورية اليسار الجديد. فإضافة إلى نضاله السياسي الميداني، واشتباكاته الفكرية وإبداعاته الفيلمية، له أكثر من خمسين مؤلفاً.. تتراوح بين:
أولاً:الكتابة التحليلية السياسية.. حول بلاد وشخصيات مثل: قراصنة الكاريبي، والانتفاضات السياسية في باكستان وهل يمكن لباكستان أن تستمر، وموت الدولة،وأسياد العالم، وحملة الناتو على البلقان، وتحذير من الوسط المتطرف في أوروبا، ومآزق لينين، وتروتسكي، وظاهرة أوباما، وبوش في بابل وإعادة استعمار العراق، وحوارات مع إدوارد سعيد، والاغتيال: من قتل أنديرا.
وثانياً: الإبداعات الروائية التاريخية: الخوف من المرايا، وخماسية تاريخية عن العلاقة بين الشرق والغرب.
وثالثاً: الكتابة الفكرية السياسية؛ التي يأتي في مقدمتها كتاب صدام الأصوليات، حيث يناقض أطروحة هانتينجتون «صدام الحضارات»، إذ يرى أن الصدام الذي انطلق في 11/9، هو صدام بين الأصوليات: بين الأصولية الدينية وبين الأصولية الإمبريالية.
وبعد، لا شك أن إبداعات «طارق علي» المتنوعة، تحقق «الرضا»،وتوفر المتعة، وتثير التفكير.. إذ إن جوهرها الحرية والعدل.
نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.