زياد بهاء الدين
فارق كبير.. بين سرعة الأداء والإنجاز، والمبالغة في فتح ملفات التغيير- واحداً تلو الآخر- دون منطق واضح، ولا دراسة كافية.
أتحدث عن الملفات الكثيرة المفتوحة من جانب الحكومة.. أمام المواطنين والبيوت والأسر المصرية، التي لا يكاد يمر عليها أسبوع.. إلا وتجد نفسها أمام مفاجأة جديدة أو أكثر، والمفاجآت – في الغالب – تكون غير سارة.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، تابع الناس الجدل الدائر حول قانون المسؤولية الطبية، الذي قد يغير من طبيعة العلاقة بين الأطباء والمرضى؛ من الثقة، إلى عالم الشكاوى والتحقيقات والتعويضات. ومع أن المجتمع يحتاج – بالفعل – لنظام يضع مقدمي الخدمات الطبية.. أمام مسؤوليتهم المهنية، إلا أن تقديم القانون للبرلمان.. دون دراسة جيدة، ولا تشاور مسبق.. مع المجتمع الطبي، ودون ضبط تشريعي سليم، أثار غضباً واسعاً في أوساط الأطباء، وباقي مقدمي الخدمات الطبية. كما أنه – من وجهة نظر المواطنين – لن يحل مشاكلهم الأكبر؛ المتمثلة في ضعف الإمكانات في المستشفيات والوحدات النائية، ونقص الأدوية وارتفاع أسعارها، وعدم تطبيق برنامج التأمين الصحي.. في معظم أنحاء الجمهورية.
فهل كان الدفع بهذا القانون الخلافي، دون إعداد جيد.. مطلوباً الآن؟
وقد جاء ما سبق، بينما البرلمان مشغول بمناقشة تشريعين آخرين، لا يقلان أهمية؛ هما قانون جديد للعمل، وقانون جديد للإجراءات الجنائية. الأول: سوف يؤثر في كل علاقات العمل في المجتمع، وفي الحقوق والواجبات المتقابلة.. لكل صاحب عمل وكل عامل في البلد، بينما الثاني: يغير من نظام التحقيق والمحاكمة الجنائية.. بكل ما يتصل بذلك من مسائل مهمة؛ بشأن الحقوق والحريات، وضمانات التقاضي، ومهنة المحاماة.
وكأن حالة البلبلة – التي تثيرها مشروعات القوانين.. المتعلقة بالعمل، والخدمات الطبية، والإجراءات الجنائية – ليست كافية، فإننا نُفاجأ بين حين وحين.. بالحديث عن تغييرات كبيرة مرتقبة في نظام الدعم العيني، واستبداله بالدعم النقدي. وفي نظم ومواعيد تقنين مخالفات المباني، وفي جمارك الهواتف المحمولة، وفي نظم استيراد السيارات، وفيما يحق للمصريين في الخارج.. سداده بالدولار، وفي ضوابط سداد الرسوم لمختلف الأنشطة، وفي الجهات التي تقوم بتحصيل هذه الرسوم، وغير ذلك من التغيرات القانونية واللائحية، أو – وهو الأسوأ بكثير – ما يتم تعديله بتعليمات شفوية.. أو دون أساس قانوني.
ثم نأتي للمفاجأة الكبرى، وهي الإعلان عن التفكير في إعادة العمل بنظام «الكتاتيب».. وفي نفس الوقت، عن نظام جديد بديل للثانوية العامة باسم «البكالوريا المصرية»، الذي لم تتضح تفاصيله بعد. وقد وقع الموضوعان على رأس الناس.. وقع الصاعقة، وأثارا اضطراباً لديهم، لأنهما فتحا باباً جديداً للقلق والتوجس.. حيال واحد من أهم المواضيع التي تشغل البيت المصري – إن لم يكن أهمها جميعاً – وهو تعليم أبنائهم وبناتهم، وما يترتب على ذلك من تحديد مسار مستقبلهم.
لعلكم لاحظتم أنني.. لم أتطرق – فيما سبق – إلى التغيرات والمفاجآت الأخرى في حياة المواطنين؛ وعلى رأسها زيادات الأسعار، ونقص بعض المواد الغذائية من وقت إلى آخر، أو أدوية، أو مستلزمات إنتاج، ولا عن تقلبات الأسواق والطلب والتجارة. بل أتحدث فقط عن التغيرات والمفاجآت القانونية واللائحية، التي تملك الحكومة.. أن تضبط إيقاعها، وتتروى في تقديمها للبرلمان والرأي العام، ويُرجئ منها ما لا لزوم له.. حرصاً على استقرار الأوضاع التنظيمية، وتجنباً لإثارة البلبلة والقلق لدى الناس، «وفيهم ما يكفيهم».
وبيدِ الحكومة أيضاً، ألا تقدم للبرلمان والرأي العام.. الأفكار والمقترحات والسياسات، إلا وقد تمت دراستها بعناية، واستطلاع رأي أهل الخبرة فيها، وحبذا لو التجارب الدولية أيضا، ثم إخضاعها لصياغة قانونية محكمة ورصينة.. من جانب فقهاء مجلس الدولة، وإدارة التشريع بوزارة العدل.
أما الإسراع بطرح أفكار جديدة، غير مدروسة وغير مطلوبة، فلن يؤدي إلا لمزيد من القلق والتوجس لدى الناس، ثم الانسياق وراء بحور من الشائعات والتكهنات.
القصد ليس عرقلة التطوير، ولا إرجاء الإصلاح، بل الإنجاز مطلوب، وكذلك التطوير والتحديث، ولكن الاندفاع وراء كل فكرة جديدة.. دون دراستها بما يكفي، ليس تطويراً ولا إصلاحاً، ولا من حُسن الإدارة. فالناس لديهم من الهموم والمشاكل ما يكفيهم، دون الحاجة لمزيد من التوتر والمفاجآت.
نقلاً عن «المصري اليوم»