Times of Egypt

لعنة مقاصير توت عنخ آمون! 

Mohamed Bosila
زاهي حواس

زاهي حواس 

نجح المستكشف الإنجليزي هوارد كارتر.. في الكشف عن كنوز مقبرة الملك توت عنخ آمون في 4 نوفمبر 1922؛ هذا الاكتشاف الذي يِعد الأعظم في تاريخ الاكتشافات الأثرية في مختلف العصور، وليس فقط في القرن العشرين. وعلى عكس ما يمكن تصوره.. من أن الشهرة والنجاح قد ملأت حياة كارتر بالسعادة، فلم تكن حياة كارتر أبداً بالسهلة المريحة.. بعد الكشف. بل كانت مليئة بالمشاكل والصعاب؛ سواء مع الحكومة المصرية – التي كانت تحاول حماية كنوز توت عنخ آمون من أن تُنهب، وتستقر في المتحف البريطاني – وكذلك المشاكل.. التي كانت شخصية كارتر الصعبة والمعقدة سبباً فيها؛ ومنها علاقته مع المقرَبين منه، أو الذين عملوا معه. 

 وسنضرب لذلك مثلاً.. باثنين من أشهر علماء المصريات على الإطلاق، وهما السير آلان جاردنر – الذي يُعد إلى يومنا.. هذا أشهر علماء اللغة المصرية القديمة – الذي انضم إلى فريق هوارد كارتر – للعمل تحت إمرته – فقط.. رغبة منه في ترجمة أي من النصوص المكتوبة داخل المقبرة.. كمتطوع، وذلك على الرغم من أن مكانة السير آلان جاردنر – وخبرته الطويلة في المجال، وكذلك مؤلفاته العلمية – تفوق كثيراً مكانة كارتر، وإسهاماته في علم المصريات. ولكن الكشف عن مقبرة سليمة.. هو ما جعل اسم كارتر يحلق في السماء، ويجعل الجميع يتمنون العمل معه في هذا الكشف.. لمجرد أن يذكر اسمه في النشر العلمي للكشف. 

أما العالم الثاني، فهو جيمس هنري برستد – الذي كان بالفعل أقل تحمساً للعمل مع كارتر، لأنه لم يكن يحب شخصيته على المستوى الشخصي – فقد مان يرى أن كارتر نصف متعلم وغير مثقف.. وهذه بالفعل حقيقة، تعرضنا لها في مقالات سابقة. المهم أن هنري برستد كان أيضا من علماء المصريات المشهورين، وله العديد من المؤلفات.  

أما عن سبب ضمِّهما إلى فريق العلماء، الذين يعملون في نشر المكتشفات من مقبرة توت عنخ آمون، فهو أن كارتر اعتقد أن مقبرة توت عنخ آمون سوف تحتوي – بلا شك – على أعداد كبيرة من البرديات المكتوبة، بالإضافة إلى النصوص الموجودة على اللقايا الأثرية بالمقبرة. لكن المفاجأة، كانت عدم وجود أي برديات في المقبرة ولا حتى قصاصات صغيرة!  

وقد وصف كارتر هذا – بكل ألم – في عبارة بليغة – قائلاً: «لقد اكتشفت ما دفن مع توت عنخ آمون، لكن فهم توت عنخ آمون استعصى عليَّ!» لقد كان كارتر – في الحقيقة – يمنِّي نفسه بالعثور على كتب من البردي المكتوب، تحكي عن حياة الملك توت عنخ آمون. بمعنى آخر، كان كارتر يأمل في العثور على دفتر يوميات الملك، فيعرف منه من هو توت عنخ آمون! 

نعود إلى قصة «لعنة».. مقاصير توت عنخ آمون – التي كانت تغطي تابوت الملك وتحفظه بداخلها – وهي مقاصير ثلاث متداخلة؛ أكبرها حجماً المقصورة الخارجية الكبيرة.. التي كانت تسد حجرة الدفن، ولا تترك مساحة تُذكر.. بين جدرانها الخشبية المذهَّبة، وبين جدران حجرة الدفن. وتغطي النصوص الهيروغليفية البديعة جدرانها. وما حدث مع هذه المقاصير شيء عجيب؛ فقبل الكشف عنها – وإخراجها من المقبرة – وإعادة بنائها في المتحف المصري بالتحرير، كان هوارد كارتر قد تخلَّص من كل من.. آلان جاردنر، وهنري برستد! ولم يعد هناك في فريقه أي من علماء اللغة.. ليحل شفرة الكتابات الموجودة على المقاصير! 

وكان السبب الذي جعل هنري برستد يترك العمل مع كارتر، هو طلب برستد من كارتر الإذن له بنشر بعض صور المصور هاري برتون.. في كتاب يستعد برستد لنشره؟ وكان برتون يعمل مع كارتر، مهمته تصوير القطع الأثرية المستخرجة من المقبرة. والغريب.. أن كارتر رفض السماح لبرستد باستخدام الصور مجاناً، وأجبره على دفع قيمتها! ولذلك انسحب برستد غاضباً من تصرف كارتر معه. 

أما انسحاب جاردنر، فكان هو الأغرب على الإطلاق، فالسير آلان جاردنر كان معروفاً بأنه من أغنى علماء المصريات على الإطلاق، وكان ينحدر من أسرة أرستقراطية، وكان يساعد عدد من أصدقائه علماء المصريات الفقراء؛ مثل ياروسلاف تشيرني. المهم أن كارتر كان يحاول دائماً التودُّد إلى جاردنر، حتى إنه قام بمنحه ذات مرة.. هدية؛ عبارة عن تميمة فرعونية، دون أن يخبره عنها أي شيء، وعندما قام جاردنر بعرضها على أحد الأصدقاء، فوجئ به يؤكد له أن التميمة.. من مقبرة توت عنخ آمون! 

هنا انزعج جاردنر للغاية، و أرسل رسالة عنيفة إلى كارتر.. تساءل فيها: كيف يسمح كارتر لنفسه بإهدائه تميمة مسروقة من المقبرة؟ وعلى أثر هذا الحادث انسحب جاردنر من العمل مع كارتر، ولم يعد هناك من يقوم بترجمة نصوص المقاصير.. التي نُقلت إلى المتحف المصري، وأصبح الزائرون من كل أنحاء العالم يقومون بزيارتها في المتحف، وهم غير مدركين لمعنى الكتابات المدوَّنة عليها، حتى استطاع أخيراً عالم اللغة – الروسي الأصل – ألكسندر بيانكوف ترجمة نصوص المقاصير الذهبية، وكشف لنا عن أسرارها. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *