Times of Egypt

قصة مجتمع

Mohamed Bosila
أمينة خيري  

أمينة خيري

رحل أحمد عدوية، بعد حياة حافلة بنجاحات شعبية.. دفعته إلى سماء النجومية، ومقاومات عنيفة من مثقفين وكُتاب، وممسكين بتلابيب الأغنية والطرب والفن.. في قالب واحد لا ثاني له. رحل عدوية بعد مسيرة متخمة بالمضي قدماً.. رغم أنف الانتقاد والسخرية والتهكم والرفض، بل الازدراء والكراهية. ولكن – في المقابل – أنصفته قاعدة شعبية عريضة.. لم تجد في المثقفين مَن يمثلها، أو يتحدث باسمها، أو يفهم لغتها، أو يعي أن لها ذوقاً فنياً، وأذناً موسيقية، وتوجهاً إبداعياً.. يختلف عن القوالب والقواعد الثابتة، التي ظنت «كريمة المجتمع وصفوتها».. أنها جامدة لا تتحرك.

أتذكر ما كان يقوله الكبار – في تجمعات الأسرة – حول الكلمات الغريبة، والصوت غير المعتاد، والمعاني العجيبة.. لمطرب اسمه أحمد عدوية. تحدث «عمو» و«طنط» و«ماما» و«بابا».. عن انهيار القيم، وتحطم القواعد، وتخريب الأخلاق.. وأن ما نعيش فيه (السبعينيات) يعني أنه على الدنيا السلام.

وحين ظهر عدوية في عدد من الأفلام.. اشتدت اللهجة المهاجمة، واحتدمت جبهات الرفض، ومقاومة ما يحدث من انهيار وهبوط وخلخلة… إلى آخر مفردات الهدم.

أتذكر الفرحة العارمة.. لدى فريق مقاومة عدوية، حين صدرت قرارات من الإذاعة المصرية.. بمنع عدد من أغنياته، أبرزها «سلامتها أم حسن» و«أم عبده فين؟». وقرأت ما قاله الإذاعي الكبير (رئيس الإذاعة السابق) الأستاذ عبدالرحمن رشاد – في حوارات صحفية – عن رفض عدوية المثول أمام لجنة إجازة الأصوات، وهو الذي حصل على إشادات من عتاولة الطرب، وعلى رأسهم محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ.. ناهيك عن ثناء الأديب العظيم نجيب محفوظ عليه.

وشاء القدَر أن يكون افتتاح إذاعة «شعبي إف إم» قبل عشر سنوات.. على إيقاع الأغنيتين الممنوعتين. تحول عدوية من طريد البعض من المثقفين، ومثار تهكم البعض من الكُتاب، ورمز تحول الزمان وتبدل القواعد والمعايير والمقاييس.. من حال إلى حال. وبينما كان عدوية مطارداً مرفوضاً منبوذاً على ضفة، كانت الضفة الأخرى تحتفي به، كما لم تحتفِ بأحد من قبل.

كان هذا في زمن ما قبل الـ «سوشيال ميديا»، فلا صوت غير صوت الإعلام الرصين، وما يقرره المثقفون والأدباء والكُتاب. وكان هذا أيضاً في زمن ما قبل اتساع القاعدة الشعبية العريضة.. عدداً وكيفاً، وهو الاتساع الذي مكّنها وقوَّاها وشد من أزرها. وأُضيف إلى ذلك بزوغ شمس السوشيال ميديا.. ليصبح كل صاحب شاشة سيد قراره، ومحدداً لذوقه، ومقرراً لما يحب وما لا يحب.

وتزامن ذلك مع استمرار انفصال قطاع عريض من قادة الفكر والأدب والفن والثقافة.. عن القاعدة الآخذة في الاتساع من الشعب، والبعيدة كل البعد.. عن المعايير والقيم السائدة لدى هؤلاء القادة، بالإضافة إلى تجريف التعليم، والتربية، والتنشئة، واستبدال الأخلاق والسلوكيات.. بتدين السبعينيات المظهري والعنيف.

رحل عدوية.. بعد أن صبر وثابر، وأصبح ملك الأغنية الشعبية، وعمها، وبطلها، ورمزها، وصوتها. قصة عدوية.. هي قصة مجتمع.. بتحولاته، وإخفاقاته، ونجاحاته.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.