Times of Egypt

فتوى «سلمان الداية» والانقسام داخل الخيام 

Mohamed Bosila
عادل نعمان  

عادل نعمان 

الشيخ سلمان الداية.. هو العميد السابق لكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية، وأبرز رجال الدين الإسلامي على المستوى الرسمي والشعبي في قطاع غزة، قد أدلى بدلوه.. وأفتى بعدم شرعية الحرب الدائرة الآن في قطاع غزة، ومخالفتها المنهج الشرعي، وإن كان الشيخ قد تأخر كثيراً، فربما لو جاءت قبل السابع من أكتوبر.. لتغير وجه حماس وكتائب عز الدين القسام ووجه غزة ولبنان الجريح؛ خصوصاً أن «الشيخ الداية» مسموع الكلمة عند الجميع.. وعند حماس على وجه الخصوص، إلا أن الشيخ قد واجه الحقيقة وأقرها وأعلن عنها، وغيره ما زالوا يكذبون على الناس وعلى أنفسهم، ويزعمون أنهم صادقون «فصدقوا وكذب الواقع المر.. الذي يحياه الشعب الفلسطيني واللبناني». 

وفتوى الشيخ سلمان الداية التي انتقد فيها حماس، وهاجم قيادتها تحت عنوان «انتهاك المبادئ الإسلامية التي تحكم الجهاد» تلخصت في أنه.. «إذا لم تتوفر أركان الجهاد أو أسبابه أو شروطه، فلابد من تجنبه.. حتى لا تهلك أرواح الناس، وهذا أمر يسهل على الساسة في بلادنا تخمينه، لذا كان لابد من تجنب الهجوم».  

ويرى الشيخ سلمان.. أن هذا الجهاد يفتقد أهم شروطه الشرعية، التي لخصها في «الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين في غزة، إلى جانب الدمار واسع النطاق للبنى التحتية المدنية، والكارثة الإنسانية التي أعقبت هجوم السابع من أكتوبر، تعني أن ذلك الهجوم.. يتناقض مباشرة مع تعاليم الإسلام»، ويتناقض مع أبسط القواعد الإنسانية، وألف باء قواعد الربح والخسارة. 

 وتعال معي إلى حصر الخسائر التقديرية، وأظن أنها أكبر بكثير عن المعلن، وهذه بعض منها (يقدر الخبراء حجم الخسائر المباشرة للقطاع.. بخمسين مليار دولار ويزيد، تدمير أربعمائة ألف مبنى خاص وعام داخل القطاع.. تدميراً كلياً وجزئياً. مخلفات هذه المباني تقدر بأربعين مليون طن، تحتاج إلى عشر سنوات لرفع هذه المخلفات. تدمير خمس وثلاثين ألف سيارة «خاص وعام».. تدميراً شاملاً. تدمير مائتين وسبعين مركزاً صحياً ومستشفى، وأكثر من سبعين في المائة من المدارس والجامعات، فضلاً عن التصفية الجسدية للكثير من أساتذة الجامعات والعلماء والباحثين.. في المراكز البحثية والعلمية، أما القتلى والمصابون والمفقودون، ومنهم آلاف مازالوا تحت الأنقاض، فحدث وقل فيها ما شئت؛ فإن قلت مائتي ألف، نقول لك نعم!! نزوح وتهجير مليون وأكثر.. من شمال القطاع وحصارهم في الجنوب، تعرض شعب بالكامل للجوع والعطش والمرض، فإذا أضفنا إلى ذلك تدمير الطرق والكباري والشوارع.. فإن إخفاء معالم المدينة مقصود؛ لضياع هويتها وجغرافيتها. تقسيم غزة إلى مناطق.. يتم عزلها وحصارها، يصعب التنقل بينها.  

هذا ما صنعته حماس، وهذا ما جناه الشعب الفلسطيني.. من جراء هجوم السابع من أكتوبر، وتداعيات حرب جرّت البلاد والعباد إلى خراب، يحتاج إلى سنوات ومليارات وعقول وقيادات.. قد غابت بموتها عن المشهد، حتى تعود غزة إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، إن قُدِّر لها أن تعود! 

وأضاف الداية في فتواه.. «إن حماس فشلت في الوفاء بالتزاماتها، بإبعاد المقاتلين عن منازل المدنيين العزل، وتوفير الأمن والسلامة، وتوفير ما يكفي من الإمدادات لهم». ويخلص إلى أنه «لا ينبغي للغارة العسكرية.. أن تثير رد فعل يتجاوز المقصود من العمل، فإن الإنسان أغلى عند الله من مكة». وأضاف الشيخ الداية في هذا «فهناك شروط للجهاد، أهمها تجنب الأعمال التي تثير رد فعل مفرطاً وغير مناسب.. من قبل الخصم».  

يحضرني يا شيخ سلمان هنا، موقف مصر من حرب الاستنزاف.. بعد نكسة 67، وكانت ضرورة.. لأسباب عدة لا داعي لذكرها، إلا أن مصر – في ذلك الوقت – عندما قررت استمرار حرب الاستنزاف، كم كانت حريصة كل الحرص.. على ألا تجر هذه الحرب العدو، أو تجبره، إلى حرب شاملة ممتدة، نحن لسنا على استعداد لها، فتحول الهزيمة إلى هزيمتين.  

والقرار الصعب.. يا شيخ، هو كيف تستمر المقاومة، دون جر العدو أو إرغامه إلى حرب شاملة طويلة مدمرة.. كما حدث.  

نقطة فاصلة.. بين المقاومة الدائمة، وبين خلخلة الدولة، ووضعها في موقف صعب ومحرج.. أمام شعبها والعالم، ويحملها حملاً إلى الرد المفرط، وتصفية الخصم والقضاء عليه وسحقه، الأدهى أن يجور هذا الرد على المدنيين العزل الضعفاء، الذين لا حول لهم ولا قوة، ويتخفى خلفهم مقاتلون.. متمترسون بالأنفاق، مدججون بالسلاح، لا يضعون في حساباتهم خسائر الشعب ومعاناته، وما يتكبده من تشريد وجوع وقتل، ونزوح وتهجير وضياع، ويعتمدون خسائرهم فقط في المعادلة؛ فيحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وهم ليسوا كذلك! 

«الدولة المدنية هي الحل» 

نقلاً عن «المصري اليوم« 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *