Times of Egypt

عن هوية مصر في سياقها التاريخي – (1) 

Mohamed Bosila
د. أحمد زكريا الشلق 

image 1

د. أحمد زكريا الشلق 
سألني طلابي في الجامعة: ما المقصود بمصطلح «الهويّة»؟ وهل له صلة بالتاريخ؟  

فكان جوابي لهم –  مفتتحاً لهذا المقال – الذي جرَّني فيه النقاش إلى تعريف المصطلح.. لإثبات أن التاريخ يُعد عنصراً مهماً في تكوين هوية الأمة من ناحية، ولتتبع السياق التاريخي للمصطلح من ناحية أخرى، وحسبي أن أطرح ما فكرت فيه للنقاش. 

أود – في البداية – أن أوضح أنني لم أعثر على كلمة «هوية».. في معاجم اللغة الشهيرة، وإنما وجدت كلمة «هوى»، وما تفرع منها.  

لكن كلمة «هوية» – بالمعنى الاصطلاحي الذي هي عليه الآن أو قريباً منه – فلا يوجد في معاجمنا عنها.. سوى أن الهوية هي حقيقة الشيء، أو الشخص.. المطلقة، المشتملة على صفاته الجوهرية، التي تميزه عن غيره.  

أما المعنى الاصطلاحي لكلمة «الهوية» Identity، فهو يثير جدلاً عند علماء السياسة والاجتماع والقانون وعلم النفس والفلسفة، فيذكر علماء الاجتماع أنه.. على الرغم من أن هذا المصطلح له تاريخ طويل، إذ إنه مشتق من الجذر اللاتيني Idem – الذي يدل على التوحد والاستمرارية – إلا أنه لم يصبح متداولاً.. إلا خلال القرن العشرين، حتى إن أصحاب «موسوعة علم الاجتماع».. انتهوا إلى أننا لا يمكننا أن نعثر على معنى واضح للمصطلح.. داخل علم الاجتماع الحديث؛ حيث يِستخدم – بشكل عام وفضفاض – تبعاً لمفهوم الذات عند الباحث. 

وينظر «إريك إريكسون» إلى الهوية.. بوصفها عملية تقع في القلب من الإنسان، كما توجد في قلب ثقافته الجمعية، وهذا ما يخلق الرابطة بين الفرد والمجتمع، فهويتنا تعني من نكون، أو إحساسنا بالهوية. كما تعني الهوية بطاقة الإنسان، التي يثبت فيها اسمه وجنسيته ومولده وعمله، وديانته وصورته ورقمه القومي، ولذا تسمى البطاقة الشخصية أيضاً. والمدلول السياسي والاجتماعي والثقافي والقانوني للمصطلح.. ليس إلا أحد التطبيقات الحديثة له، التي صاغها واستولدها الفكر الإنساني لهذا المصطلح الفلسفي. 

ولا يعنينا هنا.. سوى تبسيط المعنى، وتقريبه لأذهان الشباب، ومن ثم لن نناقش ما أثير من نقاش حول «الهوية النسبية، والهوية المطلقة»، أو «تناقض الهوية»، أو «الهوية الكمية، والهوية الكيفية». وما إذا كان الإنسان يملك هوية واحدة، أو هويات متعددة، ترتبط بأبنية أكبر؛ منها الطبقة والإثنية والنوع (الجندر)، والجنسية. وأن «ميشيل فوكو» رأى أن المادة الخام للهوية، تتشكل داخل أنواع الخطاب المستخدمة ..التي يتلقاها الفرد ويستوعبها ويتبناها، وبذلك تتم عملية تكوين الهوية وتشكيلها، كما ذكر أن الهويات ليست منفصلة عن بعضها البعض.. تمام الانفصال، وإنما هي ثمرة عمليات اختلاط وتهجين، وانصهار الثقافات؛ فالذي يعنينا، أن نشير إلى أن هذا المصطلح يثير مسألة «الهوية القومية»، أو «الهوية الثقافية/الاجتماعية».. لمجتمع ما، يشترك سكانه – في وطن معين – في خصائص عامة، تنبع من المكونات الأساسية والأولية للثقافة؛ وهي اللغة والأعراف والتقاليد، والعادات الاجتماعية وأساليب ممارسة الحياة اليومية، ونسج علاقاتهم بالكون وبالآخرين، وذلك إضافة إلى انتمائهم لأرض ودولة، ونظام سياسي/اجتماعي واحد. 

وهناك من يرى أن المؤرخين، وعلماء اللغة والأدب.. لم يسألوا: هل هذه الأمم – التي يشيرون إليها في الماضي – هي ذاتها الموجودة الآن (العرب والروم والهنود)؟ وهل اللغة.. التي كانوا يتدارسونها في القرنين السابع والثامن الهجريين، هي ذاتها التي أشار إليها الخليل بن أحمد؟ ومع إشارات ابن خلدون وغيره.. إلى أن هناك تغييرات تلحق بالأمم – ولغاتها وعاداتها – أي «ثقافتها» عندما تتغير ظروفها المادية والسياسية والاجتماعية، إلا أنها تظل حاملة نفس الاسم، محتفظة بعدد من خصائصها الأصلية الأولية والأساسية، التي تتكون بها الجماعات الإنسانية. 

والواقع أن فلسفة التاريخ٫ بتياراتها المختلفة، تفيد بأن جماعات البشر اكتسبت «هوياتها».. في أثناء تطويرها – في وقت واحد – للغاتها وعناصر ثقافتها، وأساليبها في العمل، وفي ممارسة نشاطات الحياة، وبنياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. في إطارات مكانية (جغرافية) معينة ومحددة، وأن الهوية بالمعنى التاريخي الاجتماعي الإنساني، لا تُعنَى ولا تسعى إلى التماثل الكيفي أو الكمي المجرد، وأن التماثل النسبي – لا المطلق – بين أفراد جماعات أمة واحدة حقيقة واقعية.. وأن هذا التماثل لا يعني التطابق الكامل، ولكنه لا ينفي التماسك، بل ربما يؤكده. وأن تغير صفات المجتمع، لا يؤدي بالضرورة إلى زوال «ذاته». وفي المجتمعات العريقة، يؤدي التغير إلى المزيد من تثبيت نوع بعينه.. من الصفات، تكون معادلة للذات، وهو ما كشفت عنه علوم الاجتماع السياسي والثقافي، والأنثربولوجيا، واللغويات الحديثة، وفلسفة القانون. 

والحاصل، أن كلمة «الهوية».. تُستخدم بمعنى «الشخصية» وأننا نستعمل الكلمتين.. في المعنى الفكري والأدبي، الذي يميز الإنسان عن غير،ه أو يميز الأمة عن غيرها. وهناك من يميز بين مفهومين للهوية؛ أحدهما قانوني.. يحدد علاقة المواطن بالدولة، وأداة هذا المفهوم.. هي الوثيقة الرسمية أي البطاقة الشخصية أو جواز السفر. ومن هنا فالهوية – بهذا المفهوم القانوني – لا تعني سوى الانتساب الرسمي للدولة التي يقيم فيها الفرد. أما المفهوم الثاني.. فهو مفهوم قومي؛ أساسه تحديد العلاقة بين المواطن والأمة التي ينتمي إليها، وأداته هي انتماء المواطن للأمة، ونشأته في الوطن الذي ينتمي لهذه الأمة. وأن هذا المواطن.. تربى على أساس ما تملك هذه الأمة من قيم ثقافية؛ من آراء ومعتقدات، ومن تقاليد وعادات، ومن مبادئ أخلاقية ومعايير سلوكية. وهذه الهوية القومية لا تُكتسب بقانون، وإنما تُكتسب بالنشأة.. منذ الانتساب إلى العائلة، التي تعايشت – زمناً طويلاً – مع مقومات الأمة في وطنها. 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *