Times of Egypt

عن الدراما والبرامج ورسالة تعني الأستاذ طارق نور  

Mohamed Bosila
عمار علي حسن

عمار علي حسن 

عرف أبناء جيلي في طفولتهم.. اسم «طارق نور»، وحُفرت في رؤوسهم نصف صورته.. التي تجسد العلامة التجارية لشركته، وأدركوا أن الرجل يكره الفشل، ويسعى دوماً إلى البقاء على القمة.. في مجالات «الإعلانات»، ولذا حين تولى «الشركة المتحدة»، توسَّم مصريون كُثر فيه خيراً، وقالوا إنه سيواصل نجاحه، لكن بطريقة وذائقة ومضمون، ورسالة مختلفة، تواكب اتساع نطاق ما يشرف عليه ويتابعه، وتناسب ما هو معلق في رقبة شركة عامة. 

هنا تعليقات متتابعة، تحمل رسائل ما، حول الدراما والبرامج، لعل يكون فيها ما يفيد. 

(1) 

لست أبداً.. من أولئك الذين يتوهمون أن معين مصر الإبداعي قد نضب، أو تراجع.. في الأدب والفكر؛ فلديَّ من المؤشرات والقياسات.. ما يؤكد عكس ذلك، خذ – مثلاً – عدد المصريين الذين يتقدمون إلى الجوائز والمسابقات المصرية والعربية.. في الرواية والقصة والشعر والمسرح والسيناريو والتصوير والفن التشكيلي وغيره، وخذ عدد المعروض على دُور النشر الحكومية والخاصة، ولاحظ التطور الذي تحويه بعض السيناريوهات.. المُعَدّة كأفلام أو مسلسلات، والمقدمة لهذه المسابقات، وانظر إلى الكثير المكدَّس في الأدراج، والذي لم يُقدَّم لأي جهة. 

خذ – مثلاً – عدد الموهوبين.. في تقديم المحتوى على يوتيوب، وكتبة التعليقات المضحكة أو الأفكار اللامعة.. على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما جعلني أقول يوماً: أظهر فيسبوك وتويتر أن في مصر ألف أحمد رجب.. الكاتب الساخر الموهوب، وخذ – مثلاً – التقدم الهائل في فن التمثيل بين الجيل الحالي ومَن سبقه، ومثله ما يُقدم حالياً.. من تجديد في ألوان الكتابات الأدبية، ويضيف الكثير في الشكل والمضمون.. إلى ما تركه الرعيل الأول. ستتأكد من أن المشكلة هي في «الفرز العكسي»، الذي زاد إلى حد كبير. حيث إن هناك أسباباً.. تحول دون صعود الجيد؟ وتفعل غير ذلك، وهذا يجب تغييره. 

كما يجب أن ينبع كثير من الأعمال الدرامية والسينمائية.. من أعمال روائية وقصصية، كتبها أدباء، كما كان يحدث في السابق؛ فهذا يعطيها عمقاً، ويمثل لها مرجعية.. لمسها ممثل كبير هو نور الشريف، حيث كان يحرص – قبل الاطلاع بإمعان على السيناريو المقدم إليه – على قراءة الرواية المأخوذ عنها.. بإمعان وشغف شديدين أيضاً. 

فكثير من أعمالنا السينمائية والدرامية البارزة.. إما مأخوذة من روايات وقصص منشورة لأدباء، أو كتبها سيناريست له خلفية وذائقة أدبية؛ مثل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد، اللذين كانت بدايتهما كاتبين، وسرَّب حامد قدراته ككاتب.. إلى السيناريوهات، فيما حرص عكاشة على نشر عمل روائي.. قبل وفاته. واليوم يتفوق عبد الرحيم كمال.. لكونه أديباً له رواياته، أو يقوم بتمصير أعمال أدبية عالمية، أو يستفيد من قراءته لأعمال أدبية مصرية.. حديثة ومعاصرة.  

أما نحن اليوم، ففي زمن الورشات.. التي تنتهي إلى أعمال غير متناغمة، أو المخرج.. الذي يكتب بنفسه القصة والسيناريو، في استسهال شديد. 

المعين لم ينضب، وما يُقدَّم الآن في الأدب والفكر.. بعضه إضافة واسعة وعميقة.. إلى ما تركه السابقون، لكن آفة الحاضرين.. تقديس ما مضى، وآفة المثقفين أنفسهم – ومن ثَمَّ الجمهور العام – هي الاستسلام للقاعدة التي تقول: «المعاصرة حجاب»، وبعض هذا أحقاد وإحن. وبعضه عجز عن المتابعة، أو جهل بالكثير مما يُقال ويُكتب ويُنشر. وبعضه طبيعي، لأننا في مناخ تقوم فيه العملة الرديئة.. بطرد الجيدة، ويعلو فيه صوت الأدعياء على الأولياء.  

أقول هذا، بعد قراءة لكثير جداً مما تركه المؤسِّسون، ومَن تبعوهم.. ممن سبقوا على درب الأدب والفكر في مصر، ومواكبة ما يُكتب ويُنفذ حالياً.. في مختلف فنون الإبداع. 

(2) 

من الأشياء اللافتة للانتباه، أن موضوع الدراما أُثير.. ضمن قضايا أخرى مهمة جداً، في لقاء نظَّمه المجلس القومي لحقوق الإنسان.. مع عدد من المثقفين المصريين. 

مَن تحدثوا في هذا الجانب، ركزوا على عدم تمثيل الدراما الحالية للمجتمع المصري، وسعيها لفرض ثقافة هامشية على الجميع؛ نعم هي ثقافة، أو طريقة عيش، موجودة بالفعل، ولا يمكن إنكارها. لكن أين البقية، وأين حتى الجوانب الإيجابية في هذه الثقافة الهامشية؟ 

كما تطرَّق المتحدثون.. إلى حاجة الإبداع الفني والأدبي الفكري إلى الحرية، لأنها تجري منه مجرى الدم من العروق، بل الروح من الجسد. 

( 3) 

بغضِّ النظر عن الاختلاف المتداول.. حول مضمون وعمق وقيمة ما يقدمه الممثل الأستاذ سامح حسين، فإن نجاح برنامجه البسيط، وتفوقه على برامج أُنفقت عليها عشرات الملايين، يبرهن على عدة أشياء مهمة: 

1 ـ عملية اختيار البرامج.. التي تصعد إلى القنوات التليفزيونية، وتُعرض على آذان الناس وعيونهم، مصابة بعطب شديد، وكذلك أغلب مَن يقدمونها. 

2 ـ التواصل الاجتماعي.. بات بديلاً للمُستبعدين، من قِبَل الذين احتكروا الدراما والسينما، وبرامج التلفزة والإذاعة. ولم تعد صناعة النجاح في أيدي هؤلاء فقط، حتى لو كان المال يجري بين أصابعهم غزيراً.. كما هو الماء في المحيط. 

3 ـ تميل قلوب المصريين سريعاً.. إلى كل شخص يشعرون أنه يستحق أن يكون موجوداً في مكان ما.. لجدارته. لكنهم يجدونه مستبعداً، وهذا ما ينطبق على سامح حسين.. الذي كان نجم الدراما قبل عقد من الزمن أو يزيد، ثم أُغلق عليه الباب كأنه لم يكن. 

4 ـ تربة المجتمع المصري في شوق جارف إلى أي شيء.. يخرج بسيطاً مباشراً من فم أحد المشاهير، ويمس واقعهم، أو يقدم لهم ما ينفعهم، بعد أن وجدوا أغلبية هؤلاء.. قد انسحقوا أمام سطوة المحتكرين، وامتثلوا لما يريدون.. من تعميم الإلهاء والخرافة، أو الانحراف عن احتياج المجتمع في الوقت الراهن. 

5 ـ هناك حنين لبرامج من هذا القبيل، فمَن ينسى مثلاً برنامج «كلمتين وبس» لفؤاد المهندس؟ 

6 ـ صنع البعض «رأسمال اجتماعي» لم يسقط تماماً.. رغم تغييبهم، فالناس لا تنسى مَن تفاعلوا معهم بإيجابية، وتظل في شوق إلى رؤياهم، وأعتقد أن سامح حسين كان واحداً من هؤلاء، وما حدث له ينطبق على كثيرين في مجالات عدة. 

7 ـ النص هو العمود الفقري لأي عمل، وكاتب هذا البرنامج أجاد وأفاد. 

8 ـ النجاح لا يحققه ادعاء البعض.. أنهم ناجحون منجزون، وتبجحهم في هذا.. بشكل غريب مريب، ولا ما تعلنه شركات استطلاع.. مدفوع لها مقدماً. إنما ما يقوله الناس، ويعلنون عنه بطريقتهم؛ فالناس هم الأساس. 

9 ـ بطلان ذريعة.. مَن يقدمون أعمالاُ ممعنة في الاستسهال والرداءة، ويصرون على هذا، بدعوى أن الجمهور يريدها. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *