Times of Egypt

عرب 2025.. وداعاً الأيديولوجيا.. مرحباً الواقعية!

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام..


«منين بييجي الشجن؟.. من اختلاف الزمن.
ومنين بييجي السواد؟.. من الطمع والعناد..
من انكسار الروح في دوح الوطن»..

هكذا أبدع الراحل القدير.. سيد حجاب، في «تتر» رائعة الراحل.. أسامة أنور عكاشة «ليالي الحلمية». يمكننا أن ننسج على نفس المنوال، ونسأل: منين بييجي التغيير؟.. من الاعتراف بالواقع الحزين. ومنين بييجي الأمل؟.. من الاستعداد لتجاوز الألم.
سيكون 2024..من أعوام العرب الأليمة في العصر الحديث، مثل 1917 (وعد بلفور)، و1948 (النكبة)، و1967 (النكسة)، و1990 (غزو الكويت) و2003 (غزو العراق).
في العام الذي يغادرنا، أصبحت غزة- نتيجة العدوان الإسرائيلي الهمجي – مسلخًا.. تجاوز عدد الشهداء فيه 45 ألفاً. أضحى القطاع كومة تراب. عادت المستوطنات، وأصبح الترحيل.. شبه إجباري. تلاشى حلم الدولة الفلسطينية. استباحت إسرائيل لبنان، وقضت على قوة حزب الله. سقط حكم الأسد الدموي، لكن سوريا أمامها مخاض عسير.. حتى تعود دولة طبيعية. تركيا أصبحت اللاعب الإقليمي الرئيسي هناك. إسرائيل تستعد لدور إمبراطوري في المنطقة.
السؤال: ماذا سيفعل العرب؟
ربما كان التاريخ، وتجارب الآخرين.. خير معين على الإجابة. عقب الحرب العالمية الثانية، كانت اقتصاديات أوروبا – سواء الدول المنتصرة أو المهزومة – تلامس الأرض. البنية الأساسية مُدمرة، والناس لا تجد قوت يومها. كان قرار السياسيين.. أن التعاون بين أبناء القارة هو السبيل الوحيد للبقاء. بدأت أولى خطوات الوحدة الأوروبية في الخمسينيات. اختار الآباء المؤسِّسون التكامل في قطاع الفحم فقط. ثم توسع الاندماج، والتحقت به دول عديدة أخرى، إلى أن وصلنا إلى اتحاد أوروبي.. يُعد القوة الثالثة الاقتصادية في العالم.. بعد أمريكا والصين. كانت الواقعية السياسية البديل للأيديولوجيات. الحلول الوسط بين الدول أساس العلاقات. لا أحد سيحصل على كل ما يريد، ولا أحد سيخسر كل شيء.
في السنوات الأخيرة – عندما زادت الأحلام المثالية، وتحدَّث مسؤولو الاتحاد عن سياسة موحدة، وقوانين تحكم كل الأوروبيين – شعرت شعوب عديدة.. أنها ستذوب داخل كيان عملاق، لا يراعي خصوصياتها. خرجت بريطانيا 2016، وتراجعت شعبية الاتحاد في دول عديدة.
عندما تتخلى عن الواقعية، تكون تلك هي النتيجة.
الزعيم الصيني الراحل دينج شياو بينج – الذي تولى السلطة عقب وفاة الزعيم الثوري ماوتسي تونج – توصل إلى أنه.. حتى تتقدم بلاده، وتقلل الفجوة مع الغرب، لا بد من استيعاب بعض عناصر السوق والرأسمالية.. في الاقتصاد الاشتراكي. بعد أن كان ماو يقول: «من الأفضل أن نظل فقراء في رحاب الاشتراكية، على أن نكون أغنياء في ظل الرأسمالية»، رد دينج: «لا يهم لون القط. المهم أنه يصطاد الفئران». المسألة ليست رأسمالية ولا اشتراكية، بل مصلحة وتقدم الصين وشعبها. زعيم سنغافورة الراحل.. لي كوان يو – الذي خلق دولة من عدم، لتُصبح في مصافّ الدول الأكثر تقدماً – كان يفتخر بأن: «بلاده خالية من الأيديولوجيا، مثل خلو المشروبات الغازية من السكر. أيديولوجية سنغافورة الوحيدة.. هي الطريقة الناجعة التي تعمل بها. إذا نجحت الطريقة، فسنستمر فيها، وإذا فشلت فسنتخلص منها.. ونجرب غيرها».
في عالمنا العربي، بدأنا مشروع الوحدة العربية.. بالتزامن مع أوروبا. لكن الأهداف كانت مثالية، لم تصمد على أرض الواقع. جربنا الأيديولوجيات. بدأنا بالاشتراكية -وسواء كان التطبيق السبب، أو الأفكار ذاتها – لم تكن النتيجة مُرضية.. حتى للمؤمنين بها. جربنا خليطاً غريباً بين الاشتراكية والرأسمالية، ولم ننجح أيضاً. على المستوى السياسي، تقلبنا بين الأنظمة القومية، والوحدوية، والدينية. ولم تكن المحصلة سعيدة على الإطلاق. ما حدث عام 2024، كان رداً أليماً ومأساويًّا.. على التخبط والجري وراء أهداف غير واقعية؛حروب أهلية في السودان واليمن وليبيا. وفي سوريا.. سقوط نظام بشار – الذي قدم الأيديولوجيا على مصالح الناس وأمنهم -فشل التنمية في غالبية الدول.
لماذا لا تكون الواقعية السياسية أسلوبنا الجديد.. في التعامل مع مشاكلنا ومع العالم؟ لماذا لا تكون المصلحة، والنضج السياسي، وأخذ قدراتنا الحقيقية – وليس المتوهمة – في الاعتبار.. هي الأسس التي تحكمنا؟.
تاريخنا الحديث، ليس تاريخ فرص مهدرة.. بقدر ما هو أحلام مثالية، طاولت عنان السماء.. دون أن تكون لدينا الإمكانات – أو الإرادة – لتحقيقها. زعماء وسياسيون كثيرون، رفعوا سقف الطموحات.. ثم فاجأهم الواقع، فإذا بالطموحات.. تتحول إلى إحباط وكآبة وندم.
الرئيس الأمريكي السادس والعشرون.. تيودور روزفلت، يقول: «افعل ما تستطيع.. بما لديك، أينما كنت». الواقعية ليست كلمة سيئة، ولا تكريساً للضعف أو المهانة. إنها التوظيف السليم للموارد والإمكانات، والتدرج في تحقيق الأهداف، وقبل ذلك، معرفة حدود قدراتنا في هذا العالم.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.