Times of Egypt

عبء التفكير (3)

Mohamed Bosila
أمينة خيري  

أمينة خيري


هل يولد الإنسان بجينات التطرف، أم أنه يكتسب التطرف؛ سواء اختياراً، أو عبر ضغوط مجتمعية
ناعمة؟
في ورقة – منشورة على موقع «علم النفس اليوم» الأمريكي – الكثير من التفاصيل.
يسأل الكاتب «إيوان موريسون»: «هل التعصب متوارث في العائلات؟» ويجيب – من واقع خبرته
الشخصية – أنه نشأ في بيت وصفه بـ«غريب الأطوار»؛ حيث ثلاثة أجيال.. حمل كل منها معتقدات
متطرفة؛ الجدة كانت تنتمي للكالفينية البروتستانتية، وتعتقد أن 99 بالمائة من سكان البلدة.. آثمون عصاة،
ضلوا طريق الهدى. الأب كان يعتنق مبادئ ميليشيا أسكتلندية شبه عسكرية، تؤمن باستقلال أسكتلندا عن
بريطانيا.. بطريق العنف، ويكتب أبياتاً شعرية غزلاً في الإرهابيين، الذين يحرقون ويقتلون في سبيل هذه
الغاية. وكاتب المقال كان ينتمي للحزب الشيوعي الثوري، ويشارك في احتجاجات.. للمطالبة بإقامة ثورة
عالمية عنيفة، وإسقاط كل الأنظمة.
يقول الكاتب: إن المضحك، هو أن الأجيال الثلاثة من المتطرفين.. اعتنقوا ثلاث أفكار متعصبة، تناصب
كل منها الأخرى العداء. وهو ما قد يعني أن أفراد الأسرة عانوا من حاجة نفسية عميقة.. لاعتناق روايات
متطرفة، يعيشون بأفكارها وسردياتها؛ وهو ما يشبه التشبث بإطار عاطفي، وليس التعمق في المعتقد
الفعلي. ويضيف: ثلاثتنا.. اختلف كل منا – عن الآخر – في معتقده المتطرف، لكن اتفقنا على شيء واحد
فقط: كلنا أحببنا فكرة تمني حرق أعدائنا، والمختلفين معنا، ولو لم نصرح بذلك جهراً.
ويرى أن أفراد الأسرة – المتطرفين الثلاثة – أبدوا رغبة نفسية شديدة في التعلق بهذه المعتقدات، بغضِّ
النظر عن محتواها الفعلي، بل ربما وجدوا في التعلق بها – واعتناقها – ما أرضى نفوسهم أو أراحها، أو
أضفى عليها شعوراً مفتقداً.. بالثقة، أو الإنجاز، أو التفرد. وهنا يطرح فكرة (ليست إجابة)؛ مفادها أن
بحوثاً نفسية، وجدت العديد من أوجه الشبه والتطابق.. في التركيبة النفسية لنازيين وشيوعيين ويمينيين
متطرفين، ومتحولين من دين لآخر، ومعتنقي النسخة المتشددة من التدين.. أكثر من أوجه الاتفاق في
أيديولوجياتهم المتطرفة، التي يعتنقونها.

ومن أهم التفسيرات – التي قدمها الكاتب – لاختيار الشخص لفكرة متطرفة.. لتكون معتنقه، هو سعيه
الدؤوب – ربما دون أن يدري – ليتخلص من مسؤولية الحرية الشخصية والاختيارات المتفردة، التي
يُفترض أنَّ الإنسان يتمتع ويتميز بها؛ يبحث عن فكرة «شماعة» أو أيديولوجيا غارقة في التطرف،
وربما الجنون. لكن بشرط أن يكون ضمن جماعة.. تعتنق الفكرة شديدة التطرف نفسها، وهو ما يتيح له
تسليم مفاتيح حريته الشخصية، التي تمثل عبئاً وثقلاً بالنسبة له.
ما يسعى إليه هؤلاء، هو التحرر من مسؤولية الوجود الفردي، ومن العبء المخيف.. المتمثل في الاختيار
الحر. وتكون هناك ميزة مضافة، حين يجد من (شخصا آخر) يقنعه أنه (ذلك الشخص) موجود، ليقوم
بمهمة التفكير نيابة عنه، ثم يتطور الأمر، فيبدأ «مسؤول التفكير».. بمنعه من التفكير، ووصمه وربما
تكفيره.. (في حال الأفكار الدينية)، إن فكَّر يوماً في استعادة قدرته على التفكير.
… ولحديث الجينات والاختيارات بقية.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *