وجيه وهبة
«إن أي مديح.. مهما بلغ من علو، لا يطاول اسمه»، نُقشت هذه العبارة – باللغة اللاتينية – على ضريح «نيكولاس مكيافللي» (1469- 1527). وذلك كنوع من رد الاعتبار له، بعد وفاته بنحو مائتين وخمسين عاماً.
لقد ظلت كتابات «مكيافللي» ممنوعة ومحرَّمة.. بأمر الكنيسة (الفاتيكان)، لنحو أربعة قرون، حتى رُفعت من قائمة التحريم والمنع، مع نهاية القرن التاسع عشر.يمثل «مكيافللي» ركناً مهماً من أركان «عصر النهضة الأوروبية» في «إيطاليا».
تنوعت كتاباته ما بين الشعر والمسرح الساخر والتأريخ والتأملات والفكر السياسي. ونرى أنها جميعاً.. على نفس القدر من الأهمية، وإن كانت جميعها قد ظُلمت بسبب كتابه الأشهر..
«الأمير»؛ ذلك الكتاب الذي لفت الأنظار عن باقي إنتاجه الرائع، والذي أثار عواصف الرفض والتنديد والاستنكار بحجة اصطدامه مع المعايير الأخلاقية، ومع القيم الدينية المسيحية، وهو الكتاب الذي اختزلته الثقافة الشائعة والقراءة السطحية في العبارة الأشهر؛ «الغاية تبرر الوسيلة»، تلك العبارة المبتسرة، المفتقدة إلى كابح أو منظم أخلاقي، يمنع إطلاق المعنى بلا حدود، فيصبح كل شيء مباحاً، بحجة تحقيق الهدف.. الغاية.
لقد وصفوا كتاب «مكيافللي» – «الأمير» – بأنه.. دستور الاستبداد والطغيان والديكتاتورية، وجعلوا من الرجل.. رمزاً لانعدام المعايير الأخلاقية؛ حين قالوا إن «السياسة» و«الأخلاق» عنده.. ضدان لا يلتقيان. يلعنونه جهاراً نهاراً، في ذات الوقت الذي يسيرون فيه على نهج،ه ويتبعون – بدقة – وصفاته ونصائحه «الشريرة»، المهداة إلى «حاكم فلورنسا».. «الأمير» وكل الحكام وكل الأمراء، عبر العصور. هو نفسه كان يعتقد بصلاحية آرائه لكل زمان ومكان، إذ إن طبائع البشر لا تتغير، وكذلك مشاعرهم وطموحاتهم وأطماعهم.كان «مكيافللي» – في كتابيه الرئيسيين؛ «الأمير» و«مطارحات حول الكتب العشرة الأولى، تيتوس ليفي (مؤرخ روماني)» – يعتمد على المقابلة التاريخية بين الماضي والحاضر، ويصل إلى خلاصات، نقتطف شذرات منها، يقول فيها:
■ «إذا اعتاد شعب على العيش تحت حكم حاكم، فإنه إذا أصبح لأسباب ما.. حراً، فإنه يجد صعوبة في الحفاظ على تلك الحرية».
■ «القفز من التواضع إلى الكبر، ومن الرحمة إلى القسوة، دون مبرر واضح، هو أمر يفتقر إلى الحكمة، عديم الفائدة».
■ «لا فائدة من حشود حاشدة بلا رأس».
■ «كثيرًا ما يسعى عامة الناس إلى هلاكهم، مخدوعين بنوع زائف من الخير».
■ «يخدع الناس أنفسهم في كثير من الأحيان، حين يعتقدون أن التواضع يمكنه التغلب على الكبرياء».
■ «يا له من خطر.. هذا الذي يحيق بذلك الأمير أو تلك الجمهورية.. التي تعتمد على الميليشيات أو المرتزقة».
■ «عندما ترى عدواً يرتكب خطأ كبيراً، يجب أن تفكر أن هناك خدعة».
■ «يُقال إن الجوع والفقر يجعلان الناس نشيطين، والقوانين تجعلهم مواطنين صالحين».
■ «في كل الأمور الإنسانية، لا يمكن أبداً حل مشكلة دون أن تبرز أخرى».
■ «في كل قرار نتخذه، علينا أن نفكر حيث تكون المشاكل أقل، ونختار الأفضل.. لأنه لا يوجد شيء خالٍ تمامًا مما يعكر، أو من الشك».
■ «أسوأ شيء في الجمهوريات الضعيفة، هو عدم القدرة على اتخاذ القرار».
■ «أعتقد أنه لا يوجد شيء أسوأ.. من خلق قانون، ثم عدم اتباعه».
■ «غالبًا ما تُعمي رغبة الفوز.. نفوس الرجال».
■ «الوعود التي يشوبها الإكراه، لا يجب احترامها».
■ «الخوف والشك أمر طبيعي جداً بالنسبة للأمراء، حيث لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم منهما».
■ «من خلال دراسة مدققة للماضي، من السهل رؤية ما هو مرجح الحدوث.. في المستقبل».
■ «يمجد الناس الأزمنة القديمة دائماً، وينتقدون الحاضر، على الرغم من أن ذلك غالباً ما يكون بلا سبب».
■ «المماطلة والمداولات البطيئة.. ليست أقل ضرراً من عدم اتخاذ القرار، لأن البطء لا يفيد أحداً، وغالباً ما يضرك أنت».
■ «تعتمد أسباب فشل الناس ونجاحهم.. على طريقة تعاملهم مع الوقت».
■ «الأمير الذي لا يمتلك الحكمة، لن يتقبل نصيحة جيدة أبداً».
■ «أولى الوسائل لتقدير ذكاء الحاكم ،هي النظر إلى الرجال الذين حوله».
■ «لا يستطيع الأسد حماية نفسه من الفخاخ، ولا يستطيع الثعلب الدفاع عن نفسه ضد الذئاب. لذا يجب أن تكون ثعلباً للتعرف على الفخاخ، وأسداً لإخافة الذئاب».
■ «لا توجد طريقة أخرى لحمايتك من المديح والنفاق، سوى أن تجعل الناس يدركون أن إخبارك بالحقيقة.. لن يجرح مشاعرك».
■ «لم يتحقق أي شيء عظيم دون خطر».
■ «لا تحاول أبداً أن تنتصر.. بقوة ما يمكن أن تُحققه بالحيلة».
■ «من الأسلم بكثير أن تكون مخيفاً.. من أن تكون محبوباً، لأن الحب يُحفظ برباط الواجب، الذي – بسبب دناءة البشر – يُكسر في كل فرصة.. تكون في صالحهم؛ ولكن الخوف يحفظك.. من خلال رعب العقاب، الذي لا يفشل أبداً».
■ «إذا ألحقت بالناس إهانة وأذىً طفيفاً، فسوف ينتقمون منك؛ ولكن إذا أصبتهم بالعجز الكامل.. فلا يوجد شيء يمكنهم فعله. فإذا كنت بحاجة إلى إيذاء شخص ما، افعل ذلك بطريقة تجعلك لا تخشى انتقامه».
■ «ارتكب أخطاءً بدافع الطموح، وليس أخطاءً بدافع الكسل. طوِّر القوة للقيام بأشياء جريئة، لا القوة لتحمُّل المعاناة».
■ «ليست الألقاب هي التي تكرم الرجال، بل الرجال هم الذين يكرمون الألقاب».
■ «مَن يسعَ للخداع، سيجد دائمًا مَن يسمح لنفسه أن يُخدع».
■ «الجميع يرى ما تبدو عليه، ولكن القليل يعرف ما أنت عليه حقاً؛ وأولئك القليلون لا يجرؤون على اتخاذ موقف ضد الرأي العام».
■ «نظراً لأن الحب والخوف.. لا يمكن أن يتواجدا معاً، إذا كان علينا الاختيار بينهما، فمن الأسلم كثيراً أن تُخشى من أن تُحب».
■ «عوام الناس دائماً ما ينخدعون بالمظاهر، والعالم يتكون أساساً من عوام الناس».
■ «مَن يرغب في أن يُطاع، يجب أن يعرف كيف يأمر». ا. هـ.كانت كتابات «مكيافللي» – وظلت إلى يومنا هذا – مصدر خلاف شديد بين الدارسين، وقراءاتهم المتباينة لها؛ فهناك قراءات تنصفه.. مبينة أنه كان كاشفاً وفاضحاً – بذكاء وخبث – لما هو كائن. ولقد أبهرت كتابات «مكيافللي» أقطاب «عصر التنوير»، مثل «فولتير» و«جان جاك روسو» وغيرهما، وكان «روسو».. من القلائل الذين دافعوا عنه بقوة، مؤكداً حب «مكيافللي» للحرية، بحجج ساقها في كتابه؛ «العقد الاجتماعي» (الفصل السادس).
نقلا عن «المصري اليوم»