Times of Egypt

«صُنَّاع الخير».. مشروع طموح في خدمة الفقراء  

Mohamed Bosila
عمار علي حسن

عمار علي حسن  

من يراجع تاريخنا الاجتماعي.. بعقل نابه وبصيرة حاضرة، يجد أن مجتمعنا لم يتوقف.. على مدار تاريخه المديد؛ عن التعاون الإيجابي الخلَّاق في السراء والضراء، وهي سمة عظيمة، لا تزال تقاوم كل عوامل التآكل والتعرية، ولذا ليس من المستغرب أن يربو عدد الجمعيات الأهلية والخيرية في مصر على الخمسة والعشرين ألف جمعية، تقدم إلى الشعب الكثير من الخدمات المادية، فتطبب عوزه، وتصنع ترابطاً بين فئاته وشرائحه، فتصل رحمه وجيرته، وتُبقي على تماسكه قائماً في وجه كل عوامل التعرية التي تريد النيل منه. 

إنها شبكة ضمان وحماية اجتماعية أهلية، لم تتوقف.. حتى في الوقت الذي كانت فيه مصر تتبنى الاشتراكية خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وتُعلق الاستجابة لمطالب الفقراء في عنق الدولة، إذ لم يكن من المستساغ أن تغلق أبواب مجتمع أهلي.. مارس دوراً واسعاً وعميقاً ومتعدداً في تلبية بعض الاحتياجات الاجتماعية؛ سواء كان مردُّه تصوراً دينياً عن التعاون والخيرية والتراحم، أو تصوراً مدنياً يرى أن المجتمع يجب أن يبقى حياً، لا يصادر جهده، ولا تموت عوارفه وعطاءاته، مهما كانت الظروف. 

واحدة من هذه الجمعيات التى ظهرت على الساحة في أول عام 2017 هي «صُناع الخير للتنمية» التي تصف نفسها في موقعها على شبكة الإنترنت بأنها «مؤسسة خيرية تنموية مصرية أسسها مجموعة من الشباب ذوي الخبرات المتنوعة والمتخصصة فى مجال العمل الأهلي، وبرغبة حقيقية في تنمية المجتمع وخدمة الفئات الأكثر احتياجاً، بهدف الارتقاء بمجالات الصحة والتعليم كوسيلة لتحسين جودة الحياة». 

هذه الجمعية، التى أُشهِرَت فى 3/ 7/ 2017 م تحت رقم 989 بوزارة التضامن الاجتماعي، تتبنى عدة شعارات لافتة، هي أشبه بمبادئ مهمة، إن تأملنا مخبرها وجوهرها، منها: «نتحرك جميعاً بقوة الفريق ومرونة الفرد»، و«الشراكات الفعالة هي التي تخلق الأثر»، و«المتابعة والتقييم والإفصاح.. تجعلنا قادرين على المسألة»، و«نحو عالم واحد تحكمه الإنسانية». 

وفق هذه المبادئ تعمل الجمعية أيضاً.. على تدعيم قدرات المواطن ليكون شخصاً منتجاً وإيجابي التأثير في المجتمع، وعلى إتاحة فرص لزيادة رأس المال الاجتماعي للأسر الأكثر احتياجاً، كما ترمي إلى تنسيق الجهود ومد جسور علاقات وشراكات مع مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع المصري بغية تحقيق أعلى معدلات التنمية الاجتماعية بمفهومها الشامل والمستدام.. في كل أنحاء مصر بأيدي شباب واعد يملك خبرات متنوعة، ويُخلص للعمل الأهلي، ويعرف قيمته وأهميته. 

والتنمية المستدامة في نظر هذه المؤسسة.. محددة بدقة في مشروعها المعلن وهي: القضاء على الفقر، والقضاء على الجوع، وضمان الصحة الجيدة والرفاهية، والعمل اللائق ونمو الاقتصاد، والتعليم الجيد، والحد من التمييز، وتعزيز الصناعة والابتكار، وتوفير المياه النظيفة، ومواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ. 

ولتحقيق هذا كله، وزعت الجمعية جهدها على أربعة قطاعات هي: قطاع التمكين الاجتماعي، وقطاع التمكين الاقتصادي، وقطاع التدريب والتعليم، وقطاع المساعدات الإنسانية، وكذلك على عدة مبادرات مثل «عينك في عنينا» التي قدمت خدمات لنحو 1.2 مليون مواطن، ومبادرة «قدم صحيح» التى خدمت مائة ألف مواطن، ومبادرة «لمسة خير» التي ساعدت ألف مواطن، ومبادرة «قرى الأمل» التي أعانت مائة ألف مواطن، ثم مبادرة «مراكب رزق» التي مدت يدها إلى خمسة آلاف مواطن، ومبادرة «اطمن على نفسك» التي وصل عدد من استفادوا منها إلى 640 ألفاً، ومبادرة «نبض حياة» التي ساعدت ألف مواطن، و«صك الأضاحي» التي قدمت اللحوم إلى مائة ألف شخص، ومبادرة «صُناع الدفا» التي أعانت 700 ألف مواطن على تحمُّل برد الشتاء القارس، ومبادرة «كراتين المواد الغذائية» التي تسلَّمها إلى الآن ما يربو على مليون مواطن، وأخيراً مبادرة «أطفال مصر.. مستقبل مصر» التي استفاد منها 400 ألف طفل، كما قدمت المؤسسة بعض المنح الدراسية لطلاب جامعيين فقراء لمساعدتهم على مواصلة تعليمهم. 

وتوقفت عند إدراك رئيس مجلس أمناء مؤسسة «صُناع الخير» د. مصطفى زمزم أن القضاء الحقيقي على الفقر لا يمكن أن يتم بتقديم إعانات مستمرة لمن يحتاجونها، إنما عبر التعليم والعمل، جرياً على الحكمة السابغة التي تقول: «علمني الصيد ولا تعطني سمكة». وهنا يقول زمزم: «المجتمع المدني في مصر يجب أن يتجه إلى إنشاء الجامعات الأهلية وليس الدولة فقط، لأن أكبر الجامعات والمستشفيات في العالم.. قائمة على أموال الجمعيات الأهلية. والخروج من دائرة الفقر متعدد الأبعاد.. لا يقوم على الإعانات والأمن الغذائي، إنما وفق استراتيجية يقع التعليم في قلبها، لأن التعليم هو أساس أي تنمية وتطوير على مستوى الدول جميعاً». 

ولصُناع الخير شركاء من جهات حكومية ومؤسسات مثيلة وبنوك وشركات خاصة، ويعطيها هذا فرصة طيبة للحصول على التمويل اللازم لعملها، الذي يعتمد أيضًا على تبرعات المواطنين، ويعطيها الحماية، ويسهل أمامها الكثير من العقبات الإدارية، ما يعزز قدرتها على تقديم خدماتها التي تمتد بطول مصر وعرضها، ووجدناها في العام الأخير تشارك أيضاً في قوافل الإغاثة التي ذهبت إلى أشقائنا في قطاع غزة. 

إن مراعاة الحكومة لوجود مثل هذه الجمعيات تعود إلى أمرين أساسيين؛ الأول: هو أن السلطة السياسية تتبنى توجهاً يؤدي إلى تعاظم دور الدولة في إدارة السياسة والأمن، وجانب كبير من الاقتصاد، لكنها تريد لقوى المجتمع أن تعزز درجة الاعتماد على نفسها في تقديم الخدمات وتلبية الاحتياجات، خاصة مع الرفع التدريجي للدعم، وتحرير العملة تباعاً، وجذب استثمارات أجنبية، وإسناد إدارة بعض المرافق الكبرى لشركات خاصة. 

أما الثاني: فهو ترميم الشرخ الذي ترتب على انحسار دور جمعيات نفع عام.. تابعة لجماعات وتنظيمات سياسية إسلامية، مكَّنتها من صناعة «مجتمع عميق» لعقود من الزمن، كانت تقوم بتعبئته لخدمة مشروعها، الذي يروم تحصيل السلطة السياسية. فما كان يقدمه هؤلاء، ويلبي احتياجات شرائح اجتماعية فقيرة، توقف فجأة، ولم يكن من المستساغ ألا تملأ السلطة مثل هذا الفراغ، فعملت على إطلاق مشروع «تكافل وكرامة»، وشجعت جمعيات خيرية أخرى.. لتنطلق في أداء دور اجتماعي بحت.. في مجالات عدة؛ كان من بينها «صُناع الخير». 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *