في إطار سعيها للحفاظ على التوازن الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، تواصل روسيا تطوير ترسانتها العسكرية، مع التركيز على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ويبرز من بين هذه الأسلحة صاروخ “ر إس-28 سارمات”، المعروف بلقب “الشيطان الثاني”، والذي يوصف بأنه من أخطر الأسلحة النووية في العالم، نظراً لقدراته التدميرية الهائلة وحمله لرؤوس نووية متعددة.
ترسانة نووية متقدمة رغم القيود الدولية
يشير المحلل السياسي والعسكري الأميركي براندون وايكيرت، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست”، إلى أن الترسانة النووية الروسية ليست فقط الأكبر عالميًا، ولكنها أيضًا الأكثر تقدمًا. ويرجع ذلك جزئيًا إلى القيود المفروضة على الولايات المتحدة بموجب معاهدة “ستارت” الجديدة لتخفيض الأسلحة النووية، والتي أُبرمت عام 2010.
منذ أن أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة عام 2018، حظي صاروخ “ر إس-28 سارمات” باهتمام عالمي واسع، نظرًا لإمكاناته الفريدة وحمولته الضخمة، ما يجعله أحد الأعمدة الأساسية في الاستراتيجية النووية الروسية.
مدى غير مسبوق وحمولة هائلة
يُعد “سارمات” صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات يعمل بالوقود السائل ويُطلق من الصوامع، ويصل مداه إلى 11,185 ميلاً (حوالي 18 ألف كيلومتر)، ما يجعله قادرًا على استهداف أي نقطة على سطح الأرض تقريبًا.
ما يميز “سارمات” ليس فقط مداه الهائل، بل أيضًا مسارات طيرانه غير التقليدية، إذ يمكنه التحليق فوق القطب الشمالي، مما يصعّب على أنظمة الدفاع الصاروخي رصده واعتراضه قبل إطلاق حمولته الفتاكة.
وتصل حمولة الصاروخ إلى 10 أطنان، متجاوزًا بذلك معظم الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المعاصرة. وهو قادر على حمل 15 رأسًا نوويًا مستقل التوجيه، أو عدد أقل من الرؤوس الحربية ذات القوة التفجيرية الهائلة، التي تتجاوز كل منها 10 ملايين طن من مادة “تي إن تي”.
سرعة خارقة واختراق غير قابل للاعتراض
واحدة من أخطر ميزات “سارمات” هي توافقه مع المركبة الانزلاقية الفرط صوتية “أفانجارد”، وهو رأس حربي قادر على المناورة بسرعة تفوق 20 ماخ (أي أكثر من 20 ضعف سرعة الصوت)، مما يجعله غير قابل للاعتراض من قبل الدفاعات الجوية التقليدية.
كما زُوّد الصاروخ بإجراءات مضادة متطورة، تشمل أنظمة التشويش الإلكتروني والفخاخ الدفاعية، ما يمكنه من اختراق المنظومات الدفاعية الأميركية، مثل “جي إم دي”، وهو النظام الذي وضعه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ضمن عناصر “القبة الذهبية” للدفاع الصاروخي الوطني.
دخل صاروخ “ر إس-28 سارمات” الخدمة رسميًا في الترسانة النووية الروسية عام 2022، ليصبح أحد أقوى أسلحة الردع الاستراتيجي لدى موسكو. ويمثل هذا الصاروخ ركيزة أساسية في استراتيجية “الضربة الثانية”، التي تهدف إلى ضمان قدرة روسيا على توجيه ضربة نووية انتقامية في حال اندلاع حرب نووية.