Times of Egypt

شروط نهاية إسرائيل «1»

Mohamed Bosila
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد


تناولت المقالة الماضية فكرة «نهاية إسرائيل» كنوع من التحليل الاستشرافي المستند إلى الخبرة
التاريخية، وتمنيت ألا يسارع أحد إلى الاستخفاف بجوهر التحليل، على أساس أن إسرائيل تبدو الآن في
عنفوان قوتها، فكيف نتحدث عن نهايتها؟!
والحمد لله.. أن الاستخفاف لم يحدث، وإنما كانت هناك تعليقات وتساؤلات سأجتهد في محاولة الإجابة
عنها، غير أني – بداية – أود تأكيد، أمرين؛
أولهما: ما سبقت الإشارة إليه.. بخصوص «تاريخية» التحليل، بمعنى أنه لا ينسحب على المدى
القصير. ومع ذلك، فيمكن – في ظل ظروف معينة – أن تشهد الشرائح الشابة من الأجيال
الحالية.. بدايات الانهيار، إن لم يكن اكتماله.
والثاني: أن البعض يتصور أن الحديث عن نهاية إسرائيل.. يعني تصفيتها مادياً، وهو تصور
مجافٍ للواقع تماماً؛ فتصفية الاستعمار التقليدي.. كانت تعني عودة الجيوش الاستعمارية إلى
أوطانها، أما تصفية النظم الاستيطانية فتعني – كما حدث في جنوب أفريقيا وغيرها – تصفية
البنى القانونية والاجتماعية لهذه النظم.. دون مساس بالبشر، وتحقيق المساواة بين الجميع.
وصحيح أن نسبة من المستوطنين غادرت جنوب أفريقيا.. بعد انتهاء العنصرية، لكن الصحيح
أيضاً.. أن جزءاً من هؤلاء قد عاد لاحقاً؛ فحديث التصفية المادية – بمناسبة انتهاء النظم
العنصرية للاستعمار الاستيطاني – غير وارد أصلاً.
أما بخصوص شروط تآكل التجارب الاستعمارية، وتصفيتها، فقد سبقت الإشارة إلى أن القوانين الحاكمة
للظواهر الاجتماعية – ومنها السياسية – لا تعمل من تلقاء نفسها، وإنما لا بد لها من قوى اجتماعية
وسياسية تُفعِّلها. صحيح أن الممارسات الاستعمارية تُولِّد تلقائياً دوافع المقاومة.. لدى الشعوب المستعمَرة
وتؤجِّجها، لكن ميلاد مقاومة الاستعمار وتطورها.. يحتاج نخبة تخرج من صفوف الشعب – الذي يمثل
الحاضنة الضامنة لدعمها واستمرارها – وقد ولَّدت بدايات المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين..
مظاهر لمقاومة شعبها له؛ حتى قبل اتضاح طبيعته العنصرية الإحلالية، وقد بلغت هذه المظاهر ذروتها..
في ثورة 1936، التي لم تُوفَّق في وأد هذا المشروع – لظروف سيحاول التحليل توضيحها – غير أن

المقاومة استمرت.. عبر محطات مهمة؛ سواء تلك التي انطلقت من غزة في خمسينيات القرن الماضي
برعاية مصرية، أو بعد إطلاق «فتح» رصاصتها الأولى في مطلع 1965، ثم تصاعدت بعد استكمال
إسرائيل احتلال أرض فلسطين بعدوان 1967، وأبدعت في أساليبها العسكرية.. كما في معركة الكرامة
1968، وغير العسكرية.. كانتفاضة الحجارة – التي دامت لسنوات منذ نهاية 1987 – ثم انتفاضة الأقصى
التي جمعت بين الأسلوبين.. اعتباراً من 28 سبتمبر 2000. وبالتالي، يمكن القول إن المقاومة – من
المنظور التاريخي- مستمرة.. منذ تأسيس إسرائيل وحتى الآن، وتُعتبر حلقتها الراهنة – التي بدأت في 7
أكتوبر 2023 – أقوى حلقاتها وأكثرها استمراراً، حيث فاق أمدها – بنحو الضعف – حرب النشأة في
1948.
ويُلاحظ أن المقاومة الفلسطينية عانت دائماً – وإن بدرجات متفاوتة -الانقسام بين فصائلها.. منذ ثورة
1936؛ سواء نتيجة تناقضات أيديولوجية وسياسية، أو تدخلات خارجية. وأمكن أحياناً حل هذه
التناقضات بسلاسة نسبية.. كما في الخلاف بين «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية، الذي انتهى
باندماجهما تحت زعامة ياسر عرفات – الذي أصبح رمزاً لوحدة النضال الفلسطيني – غير أن الحلقة
الراهنة من هذا الانقسام.. بين «فتح» و«حماس»، هي أسوؤها وأشدها إضراراً بالنضال الفلسطيني..
دون شك، لأنها انطوت على صدام دموي خطير في 2007، أدى إلى انقسام الشرعية الفلسطينية بين
«فتح».. التي فاز رئيسها في الانتخابات الرئاسية 2005، و«حماس».. الفائزة بالانتخابات التشريعية في
2006، ثم استبعاد «فتح» من السلطة في غزة، واستبعاد «حماس» من السلطة في الضفة.
وقد فشلت كل محاولات المصالحة بين الفصيلين.. منذ ذلك الوقت وحتى الآن؛ رغم أن عددها يقترب من
15 محاولة.. انخرطت فيها عواصم عربية وإقليمية وعالمية مهمة. وهو ما يقودنا للسبب الثاني..
لاستدامة الانقسام؛ وهو الخلاف البيِّن بين نهج التسوية.. الذي اعتمدته «فتح» منذ اتفاقية أوسلو في
1993، وأثبت عقمه بامتياز؛ بدليل ما نشاهده الآن من عربدة إسرائيلية في الضفة. ونهج النضال
المسلح.. الذي اعتمدته «حماس» وفصائل أخرى، كالجهاد الإسلامي، والذي يقف خلف الجولة الراهنة
من جولات المواجهة الإسرائيلية-الفلسطينية. ويَعتبر خصومه.. أنه تسبَّب في «نكبة ثانية».. للنضال
الفلسطيني.
وليست ظاهرة الانقسام بين فصائل حركات التحرر الوطني.. بالجديدة؛ فقد عرفتها كل هذه الحركات..
وإن أمكن التمييز بين انقسام كانت الغلبة فيه واضحة لفصيل بعينه – كما في حالتي الجزائر وجنوب اليمن

  • على النحو الذي لم يُلحق ضرراً فادحاً بالقدرة على تحقيق النصر، وآخر شهد نوعاً من توازن القوى
    بين الفصيلين الأكبر – كما حدث في حركة التحرر الأنجولية – وكما نشاهد الآن في الحالة الفلسطينية..

رغم ما تشهده من تحديات مصيرية.. مصدرها الحكومة الإسرائيلية الحالية – غير المسبوقة في تطرفها
وعنصريتها وعدوانيتها ووحشيتها – ولذلك فإن كل القوى الحية في المجتمع الفلسطيني.. مطالبة بتحقيق
نقلة نوعية في المعادلة السياسية الفلسطينية، تُنهي الوضع الحالي غير المقبول على الإطلاق.. في الساحة
الفلسطينية، والذي تحتاج مواجهته لمكاشفة وشفافية كاملتين، ومشاركة من كل القوى الحية في المجتمع.
وقد يقول قائل: كيف الحديث عن «نهاية إسرائيل»، والأمر كذلك.. فيما يتعلق بمحنة الوضع الحالي
للعلاقة بين فصائل المقاومة؟
والإجابة – ببساطة – أنه رغم كل هذه الخلافات الطاحنة، فقد أجبرت المقاومة إسرائيل على الانسحاب
من غزة في 2005، بل وتفكيك المستوطنات القريبة منها.. في أول سابقة من نوعها، وانخرطت معها في
أقوى وأطول جولات المواجهة حتى الآن، التي يقترب أمدها حثيثاً من سنتين؛ ناهيك بتداعيات هذه
المواجهة على الداخل الإسرائيلي، وتأثيرها على التحولات في الرأي العام العالمي، والمواقف الدولية
الرسمية.. الآخذة في التصاعد؛ تأييداً للحق الفلسطيني، على النحو الذي يؤكد سلامة المسار التحرري
ونجاعته.. رغم التكلفة المادية والإنسانية الفادحة، التي شهدتها حركات التحرر الوطني كافة.
وللحديث بقية

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *