Times of Egypt

سيناء في عين الإعصار الإقليمي

Mohamed Bosila
عبدالله السناوي 

عبدالله السناوي

سيناء مسألة أمن قومي، إذا سُلخت.. فلا قومة لمصر بعدها.
‎إثر سقوط دمشق طُرح مجدداً سؤال سيناء ومصيرها. سيناريوهات التقسيم، ورسم خرائط جديدة في المشرق العربي.. واصلة إلى مصر ودول عربية أخرى، لم تعد مستبعدة.
‎مرة بعد أخرى، يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. أنه بصدد رسم خرائط شرق أوسط جديد؛ متبنياً التهجير القسري أو الطوعي.. من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن.
‎… إنه الآن أمام فرصة سانحة للتهجير والتوسع والضم. ألغى اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا (1974)، واستولى على المنطقة العازلة وقمة جبل الشيخ الاستراتيجي – الذي يطل على دمشق – وعمل على تجريدها من ترساناتها العسكرية ومراكزها العلمية.. بمئات الغارات.
‎إنها خطوات على الأرض، تفصح عن سيناريوهات مقبلة.. لتقاسم النفوذ مع تركيا؛ التي هندست وقادت ما أطلق عليها عملية «ردع العدوان».
ومرة بعد أخرى، يستعيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.. إرث الإمبراطورية العثمانية في سوريا، كأننا أمام مشروع ضم محتمل لمدنها الكبرى؛ خاصة حلب. لكنه يعود ليؤكد.. أنه لا توجد مطامع لبلاده فيها!
‎التصريحات المتناقضة.. تؤكد المخاوف، ولا تنفيها.
‎إرث التاريخ حاضر.. إثر سقوط دمشق. نشأت الفكرة العروبية بالمعنى الحديث.. كرد فعل تاريخي مباشر على سياسة «التتريك». هذه حقيقة لا يصح نسيانها أبداً. كان أول من دعا إلى «البعث» زكي الأرسوزي.. ابن لواء الإسكندرون السليب؛ الذي نُزِع عن سوريا، وضُمَّ إلى تركيا.. قبيل الحرب العالمية الثانية؛ بصفقة مع فرنسا.
‎بتعبير لافت، قال «أردوغان»: «حزب البعث أصبح من الماضي»؛ بما هو مؤكد أنه انقضى في سوريا.. دون مقاومة، وحُظِر في العراق.. خشية عودته للحكم. الفارق كبير بين الحالتين.
‎الفكرة العروبية أوسع وأعمق من أن يلخصها حزب، أو سلطة في حقبة ما. العودة إلى «التتريك» يستدعي التعريب بالضرورة.
حسب تصريحات «أردوغان»، فإن تركيا لا يمكنها القبول ببقاء المنظمات الإرهابية في سوريا، قاصداً على وجه الخصوص.. حزب «العمال الكردستاني»، ونافياً الصفة نفسها عن «هيئة تحرير الشام».. المنحدرة من تنظيم القاعدة!
ورقة الإرهاب تُستخدم في الحالة السورية.. بمقتضى مصالح واستراتيجيات، لا وفق قواعد قانونية وأخلاقية. إنها فوضى في المعايير، وصلت ذروتها.. بوصف الإرهابيين بالثوار!
‎هذا خلل في التفكير، وخلط بين ما يجوز.. وما لا يجوز. «بشار الأسد» يستحق السقوط، لطبيعة نظامه والجرائم المنسوبة له. و«أبومحمد الجولاني».. لا يمثل بديلاً شرعياً. الثورات لا تصنعها الاستخبارات، «تركيا بوابة سوريا الجديدة، وتتحكم في مفاتيح المنطقة»، كانت تلك جملة كاشفة للرئيس التركي، كأنه أراد أن يقول: من يريد أن يكون له دور في سوريا، فليتكلم معنا أولًا.. إنه استعمار مُقنع.
لأهمية الموقع الاستراتيجي السوري، سارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.. إلى محاولة تطويع النظام الجديد.. لما هو مطلوب منه. رفع تهمة الإرهاب، والعقوبات.. مقابل التعايش مع إسرائيل، وحفظ المصالح الغربية الاستراتيجية. هكذا بكل وضوح. بوضوح مماثل قال «الجولاني»: «لسنا بوارد الصراع مع إسرائيل».
إننا أمام صراع مفتوح.. على سوريا، العرب الطرف الأضعف فيه. إذا كان هناك من يتصور أن الأمن يصان.. بالكلام الدبلوماسي وحده، فإنه يضع مستقبل المنطقة تحت المقصلة.
‎الكلام يكتسب خطورة إضافية.. من اقتراب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.. في (20) يناير المقبل.
الإسرائيليون يتأهبون لإعلان فرض السيادة على الضفة الغربية.. كما أعلن نتنياهو. بنفس الوقت، تطلب إسرائيل نوعاً من الاحتلال العسكري لقطاع غزة، وعقد صفقة تبادل للأسرى والرهائن.. بضغوط لم يعد ممكناً تحملها، في ظل حربي إبادة وتجويع.. لا مثيل لهما بالتاريخ الإنساني الحديث. والسلطة في رام الله، تطارد جماعات الشبان.. لحذف كلمة المقاومة من القاموس الفلسطيني.
‎هذه كلها نواقيس خطر.. تدق في المكان.
سيناء.. في عين الإعصار الإقليمي. هذه حقيقة لا يصح إنكارها، تضرب في صلب الأمن القومي.
أرجو أن نتذكر.. أن كل الحروب – التي خاضتها مصر على مدى سبعة عقود – ارتبطت بسيناء. وقد اكتسبت رمزيتها.. من حجم الدماء، والتضحيات التي بُذلت.. حتى تكون مصرية وحرة.

في عام (1948)، عبرت القوات المصرية سيناء إلى فلسطين؛ حيث قاتلت من أجل أمنها القومي.. قبل أي شيء آخر؛ بتعبير الضابط الشاب جمال عبدالناصر.. بخط يده أثناء العمليات العسكرية.
‎أفضت النتائج العسكرية لنكبة فلسطين.. إلى تغييرات راديكالية في نظم الحكم، ومراجعات جذرية في الأفكار والتصورات، وانقلابات كاملة في موازين القوى.
‎وفي عام (1956)، اقتحمت القوات الإسرائيلية سيناء.. لإرباك الجيش المصرى؛ حتى يتسنى للقوات البريطانية والفرنسية احتلال منطقة قناة السويس.. بلا مقاومة يعتد بها.
‎أفضت النتائج السياسية لحرب السويس، إلى بروز الدور المصري على المسرح الإقليمي.. قائداً بلا منازع لعالمه العربي، وقارته الأفريقية.. التي شهدت – مطلع الستينيات من القرن الماضي – أوسع عملية تحرير في التاريخ.
‎وفي عام (1967)، تعرضت مصر لهزيمة عسكرية فادحة.. استهدفت بالمقام الأول إجهاض تجربتها التنموية والتحررية.. من بين ثغرات نظامها السياسي، قبل أن تقف على قدميها من جديد.. في سنوات حرب الاستنزاف.
بتضحيات الرجال، عبرت أخطر مانع مائي في التاريخ.. لتحرير أراضيها المحتلة.. في أكتوبر عام (1973). وبغض النظر عن النتائج السياسية لتلك الحرب، فإن جيلاً كاملاً.. أبدى استعداداً لبذل كل تضحية، ودفع فواتير دم.. حتى تظل سيناء مصرية وحرة.
تلك حقائق تاريخ.. لا يصح أن تُنسى. وتلك بديهيات سياسة.. لا يجوز أن تبهت.
‎‎تحصين الوضع الداخلي.. بقواعد دولة القانون – التي تضمن الحريات والعدل الاجتماعي والأمن بالوقت نفسه – من ضرورات أية استحقاقات.. قد تُفرض على البلد، ولا يكون أمامها غير أن تدافع عن سيناء بالسلاح والدماء.
قضية سيناء ومستقبلها، يجب أن توضع في عهدة الرأي العام.. حتى يستبين الحقائق، قبل أن تداهمه النيران بأخطارها.
نقلاً عن «الشروق»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.