Times of Egypt

سبعينية معهد الدراسات القبطية

Mohamed Bosila
سمير مرقص 

سمير مرقص

(1)
«شخصية مصر: مُركَّب حضاري.. متعدد العناصر»
احتفلت مصرفي شهر نوفمبر الماضي.. بمرور 70 عاماً على تأسيس معهد الدراسات القبطية، وهو المعهد الذي يعود تأسيسه إلى الدكتور عزيز سوريال عطية (1898- 1988).. أحد أعلام الدراسات التاريخية في مصر والعالم، إذ تقدم في أكتوبر من العام 1953 بمذكرة لإنشاء المعهد إلى الأستاذ كامل يوسف صالح – وكيل المجلس الملي العام – للموافقة على إنشاء المعهد.
وبالفعل، وافق المجلس على إنشاء المعهد في21 يناير من العام 1954. انطلق المؤسس ومعه زمرة من العلماء المتخصصين: مراد كامل (1907- 1975، المتخصص في اللغات السامية)، وسامي جبرة (1892- 1979، المتخصص في الآثار والحفائر)، ورمسيس ويصا واصف (1911- 1974، المتخصص في العمارة والفنون القبطية)، وراغب مفتاح (1898- 2001، المتخصص في الموسيقى والألحان القبطية)، وآخرون.. من رؤية ترى ضرورة في «العناية بنشر التراث الفكري المصري في العصر المسيحي».
فلقد انطلق الآباء المؤسسون للمعهد، من أن التراث القبطي.. هو حلقة أصيلة في سلسلة الفكر المصري، الممتدة على مدى آلاف السنين. إذ استطاع المصريون – الذين تحولوا إلى المسيحية – أن يبدعوا إنتاجاً فكرياً وأدبياً ولاهوتياً وموسيقياً ولغوياً ومعمارياً مصرياً/قبطياً؛ اكتسب صفة «الاستمرارية الحضارية».. إذا ما استعرنا المفهوم الذي تحدث عنه «محمد شفيق غربال» في كتابه: «تكوين مصر».. ومن ثم أصبحت «القبطية.. بمعناها الحضاري الواسع» – حسبما كتبنا مرة – مكوناً أساسياً في المركب الحضاري الذي يميز الشخصية المصرية.
(2)
«القبطية: عصر وتراث تاريخي ممتد»
لقد اكتسبت «القبطية»- بالمعنى الحضاري – مكانتها.. من خلال نضالات أبنائها.. على المستويين الكنسي والمصري من جهة، وبالتفاعل بين الإيمان والبيئة الحضارية المصرية من جهة أخرى. ونتج عن تلك النضالات من جانب، والعملية التفاعلية الإيمانية-الحضارية من جانب آخر، أن تبلور العصر القبطي – بداية من القرن الأول الميلادي – وفق، حسب أحد الباحثين، المقومات التالية:
أولاً: تحول المصريين من الوثنية إلى المسيحية الأرثوذكسية.. التي دافعوا عنها باستماتة؛ ما جعلها- في التحليل الأخير- توحد فيها الإيماني بالوطني.. لمواجهة العقائد الفاسدة التي حاولت الدولة البيزنطية أن تفرضها على مصر وكنيستها.
ثانياً: إعادة الاعتبار إلى اللغة القبطية في مواجهة اللغة اليونانية.
ثالثاً: تنقية الفنون القبطية من المؤثرات البيزنطية.
رابعاً: التفاعل بندية مع الثقافات التي كانت سائدة في العصر القبطي.
في هذا السياق – القرون الستة الميلادية – وُلد التراث القبطي.. بمساحاته الإبداعية المتنوعة، واستمر حتى يومنا هذا. ومع مطلع القرن العشرين، وتأجج النزعة الوطنية المصرية، أو ما يطلق عليها المؤرخ الكبير محمد صبري السوروبوني، نشأة القومية المصرية في الدولة الحديثة، حرص الأقباط- المصريون المسيحيون- مواكبة لهذا الشعور الوطنى/ القومي على إحياء التراث القبطي، فتأسس المتحف القبطي عام 1910.. على يد مرقس باشا سميكة، كما أسس مريت بك غالي.. جمعية الآثار القبطية عام 1934، وتأسست جمعية مارمينا بالإسكندرية عام 1945.. بواسطة الدكتور منير شكري.
وكان النتاج المنطقي لهذا الجهد المتعاقب، أن يتم تأسيس كيان علمي.. يؤصل، ويبحث، ويناقش، ويوثق، ويحفظ، وينشر.. مضامين هذا التراث، ومن ثم جاء إنشاء معهد الدراسات القبطية للعب هذه الأدوار. ما دفع وزارة التربية والتعليم في العام 1955.. إلى «الإشادة بإنشائه، لأنه يقوم بخدمة التاريخ الوطني في العصر المسيحي، من أجل سد النقص الموجود في هذا النوع من الدراسات، وتوجيه البحوث على أساس قومي سليم». وهو المعنى الذي أكد عليه قداسة البابا تواضروس الثاني- الذي رعى الذكري السبعين لتأسيس المعهد – في كلمته بالاحتفالية على أن «هذه المناسبة لا تخص الكنيسة القبطية فقط، وإنما تخص الوطن»؛ انطلاقاً من أن «المرحلة القبطية.. هي إحدى صفحات كتاب التاريخ الحضاري المصري.. الممتلئ بالصفحات الحضارية الثرية». وقد أكد ذات المعنى الدكتور إسحق عجبان – عميد المعهد – مشدداً على «قيمة الحضارة القبطية.. التي هي جزء لا يتجزأ من الحضارة المصرية العظيمة».
(3)
«المعهد والمستقبل»
وبعد، تهنئتي القلبية.. بعيد ميلاد معهد الدراسات القبطية السبعين، الذي تشرفت بحضور الاحتفال به. وكنت قد عرفت جانباً من الجهد المبذول في تجديد دوره.. عندما شاركت بإلقاء محاضرتين عن «المواطنة»، و«الكتابات التاريخية التي تناولت الأقباط قبل عامين». وأتوقع وأثق بأن يستمر المعهد في أداء دوره العلمي والثقافي، بل يتطور مستقبلاً في ظل تنامي الاهتمام بالدراسات القبطية.. في الداخل المصري وخارجه، وتطور مناهج ومساحات البحث في مجال الدراسات القبطية.. بفضل جيل جديد من الباحثين.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *