Times of Egypt

ترامب يحرر مستعمرة أمريكا!

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

راودني شعور – خلال مشاهدة خطاب الرئيس ترامب، عقب تنصيبه يوم الإثنين الماضي (20 يناير) – أنه يتحدث عن دولة أخرى.. غير أمريكا التي نعرفها. دولة استغلها العالم أسوأ استغلال، بل استعمرها وتآمر عليها.. بتهجير الخارجين من السجون والمصحات العقلية إليها، ليكونوا مواطنيها. عالم يستفيد من ثرواتها واقتصادها، لكنه لا يحترمها. تتم معاملة شركاتها ومواطنيها بشكل غير عادل. هل هذا حقيقي، أم أنه من اختراع زعيم شوفيني، يعتبر العالم هو الجحيم (طبقاً لمقولة سارتر: الجحيم هو الآخرون)؟.

ليس غريباً أن يعتبر ترامب تاريخ بدء رئاسته.. يوم تحرير أمريكا ونهاية أفولها.

المفارقة، أن ترامب دعّم ادعاءاته.. بمعلومات غير صحيحة. في خطابه قال: «بدلاً من فرض ضرائب على مواطنينا.. لإثراء الدول الأخرى، سنفرض رسوماً جمركية وضرائب على الدول الأجنبية.. لإثراء مواطنينا». ما يحدث في الواقع، أن الحكومة الأمريكية تفرض رسوماً على السلع المستوردة، لكن الشركات الأمريكية.. تدفع تلك الرسوم وليس الدول الأجنبية. الشركات تقوم بعد ذلك بتحميل المستهلك تكلفة الرسوم.. في شكل زيادات في الأسعار. دراسات عديدة، أكدت أن المواطنين الأمريكيين هم تقريباً الذين تحملوا التكلفة الفعلية.. للرسوم التي فرضها ترامب على السلع المستوردة من الصين، خلال رئاسته الأولى.

في الخطاب أيضاً، زعم أن أمريكا تستقبل المهاجرين.. الخارجين من السجون والمصحات العقلية ببلادهم. ليس هناك كذبة أكبر من ذلك. هيلين فير – الباحثة في معهد سياسات الجريمة والعدالة بجامعة لندن – أكدت أنه.. لا يوجد دليل واحد يُثبت قيام أي دولة، بإفراغ سجونها، وشحن السجناء إلى أمريكا. ترامب حاول تأكيد زعمه.. بالقول إن عدد السجناء في العالم انخفض.. بسبب الهجرة لأمريكا. لكن الإحصاءات تشير إلى العكس. العدد زاد من 10.7 مليون سجين بالعالم عام 2021 إلى حوالي 11 مليوناً عام 2024. ثم هل أمريكا – بأجهزتها الاستخباراتية والبوليسية ونظامها القضائي – غير قادرة عل كشف حقيقة المهاجرين.. خريجي السجون والمصحات، الذين قال ترامب إنهم بالملايين.

شيطنة ترامب للعالم.. لم ولن تتوقف. في تبريره للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.. للمرة الثانية، ادعى أن العالم يريد تحميل الولايات المتحدة فاتورة التغير المناخي، الذي يعتبره خدعة ومؤامرة، بينما لا تتحمل الدول الأخرى مسؤولياتها، خاصة المالية. ولأنه لا يعترف بـ«حدوتة» التغير المناخي، فقد تعهد باستئناف استخراج البترول الصخري.. المسبب الأكبر لارتفاع درجات الحرارة. الواقع يقول إن أمريكا تتشارك مع الصين.. في نيل لقب أكبر ملوث للمناخ على ظهر الأرض، وربما باطنها.

ومن شأن انسحابه، أن تتوقف واشنطن عن الالتزام بما تعهدت به من أموال.. للمساهمة في خفض الارتفاع المتواصل لدرجات الحرارة، مما سيؤدي إلى اختفاء جزر – ودول بأكملها – من خريطة العالم. من الذي يعامل الآخر بلامبالاة واستهانة بل واحتقار.. أمريكا أم العالم؟. 

ترامب اعتبر نفسه صانع سلام، وقال إنه لن يبدأ أي حرب ضد دولة أخرى، لكن كيف سيسترد قناة بنما؛ التي ادعى كذباً.. أنها تفرض رسوماً أكبر على السفن الأمريكية، وأن الصين تديرها؟ وكيف سيُجبر المكسيك.. على تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا؟ ثم لماذا لا يغير تسمية حلف الأطلنطي.. إلى حلف أمريكا، والمحيط الهادي.. بالمحيط الأمريكي؟!

الخطاب المروّع – المليء بالأكاذيب والتهديدات؛ حسب وصف عالم السياسة الأمريكي نورمان أوزنشتاين – يُلقي باللوم على العالم.. في كل مشاكل بلاده. كيف يكون ذلك، بينما القوة العظمى الوحيدة تتحكم في النظام العالمي برمته.. أمريكا تسيطر على المؤسسات الدولية؛ من الأمم المتحدة وحتى أصغر منظمة متخصصة، وتتحكم في التجارة العالمية. حيث الدولار هو عملة التداول الأهم في العالم؟

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عانت دول العالم الثالث – ولا تزال – من سيطرة واشنطن على مقدراتها وثرواتها. دول عديدة تعرضت للمؤامرات الأمريكية، بل الغزو؛ لأنها تجرأت وخرجت على الخط. الدعم الأمريكي غير المسبوق لإسرائيل.. في عدوانها على غزة، دليل صارخ على أن واشنطن تحمي من تريد، وتعاقب من تكره. قرار ترامب رفع العقوبات الأمريكية عن المستوطنين المجرمين.. بالضفة الغربية يبين مدى احتقاره لحقوق الشعوب. ثم يأتي ويقدم «بكائية» عن تدهور وضع أمريكا، وعدم احترام الآخرين لها. الهيمنة والتهميش والسحق.. أصبحت كلمات عالمية، بفضل السياسات الأمريكية.

تنطبق على ترامب، مقولة سياسي فرنسي عن أسرة البوربون – بعد عودتها للحكم، عقب إزاحتها عام 1789 – «لم يتعلموا شيئاً، أو ينسوا شيئاً». عاد البوربون للانتقام والتنكيل بالخصوم. 

ترامب يعود – هو الآخر – ليستأنف أحقاده وتجاربه الفاشلة المدمرة. 

ورغم ذلك، يصر على أن عودته.. تعني أن أشعة الشمس تشرق على العالم.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *