عمر إسماعيل*
في عالم السياسة، هناك تصريحات تنتمي إلى عالم الواقع، وأخرى تنتمي إلى عالم الأوهام. وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. بشأن تهجير الفلسطينيين وإعادة بناء غزة، تقع – بلا شك – في الفئة الثانية.
أوهام القوة الأمريكية وحدودها
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت الولايات المتحدة تتوهم أن نفوذها العالمي.. كافٍ لفرض أي رؤية تخدم مصالحها، و مصالح حلفائها.. خاصة إسرائيل. غير أن التاريخ يثبت أن القوة – مهما بلغ جبروتها – لا تستطيع تغيير حقائق الجغرافيا، أو فرض تسويات تتجاهل تمنيات وآمال و طموحات الشعوب.
ترامب – وهو رجل أعمال، قبل أن يكون سياسيًا – ينظر إلى الأزمات.. كما لو كانت صفقات عقارية، يعتقد أن تهجير الفلسطينيين.. مسألة يمكن حلها بحوافز مالية، أو ضغوط اقتصادية وإقليمية، لكنه يغفل أن القضية الفلسطينية.. ليست مجرد «ملكية متنازع عليها»؛ بل هي قضية وجود، وهوية متجذرة في التاريخ والمقاومة.
غزة: تحت الأرض وفوق الحقائق
أما فكرة ان تقوم أمريكا ببناء غزة، فهي تعكس سذاجة تصوراته.. بشأن الصراع؛ فليست المشكلة فيزيائية، بل سياسية بامتياز. يظن ترامب أن بالإمكان دفن المشكلة.. بالبنى التحتية و المباني، وجعل غزة ريفيرا الشرق الأوسط، بينما الحقيقة.. أن القضية الفلسطينية هي مسألة حقوق وطنية، لا يمكن حصرها في الهندسة المعمارية وعدة مباني .
على مدى العقود الماضية، حاولت إسرائيل تطويق غزة بكل الوسائل.. من الحصار إلى القصف، إلى العزل الجغرافي. لكن القطاع ظل عصيًا على الإملاءات. وإذا كان هناك من «بناء علي الأرض»، فهو ليس إلا انعكاسًا لواقع القهر والعدوان.. الذي فرضه الاحتلال على الفلسطينيين، مما دفعهم إلى البحث عن الحياة.. حتى في الأنفاق.
ومن مفهوم النفوذ الأمريكي، وتأثيره على السلام الإقليمي والدولي، فإن الولايات المتحدة لم تكن – في يوم من الأيام – وسيطًا نزيهًا في الصراع العربي-الإسرائيلي، لكنها في عهد ترامب، تجاوزت.. حتى مظهر الحياد المزعوم؛ من خلال قرارات.. مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وشرعنة الاستيطان. هذه السياسة لم تؤدِ إلى تحقيق سلام، بل زادت من حالة الغليان في المنطقة، ودفعت إلى مزيد من الاستقطاب الدولي.
ومن الجدير بالذكر، أن النفوذ الأمريكي في المنطقة.. يتراجع، ليس لأن هناك قوة أخرى جاهزة للحلول مكانه، بل لأن واشنطن نفسها.. لم تعد تفهم طبيعة التوازنات. الصين وروسيا (كقوتين عالميتين)، وإيران وتركيا (كقوتين إقليميتين).. كلها تلعب أدوارًا جديدة، فيما تتآكل الهيمنة الأمريكية، بسبب أخطاء.. مثل دعم الاستيطان، وإغفال الحقوق الفلسطينية.
دروس التاريخ وحقائق الجغرافيا
قد يستمر ترامب في بيع الأوهام لحلفائه، لكن الحقيقة تبقى.. أن الشعوب – وليس الساسة – هي التي ترسم خرائط المستقبل. فقد حاولت القوى الكبرى عبر التاريخ.. شطب قضايا التحرر الوطني بالحديد والنار، ففشلت في الجزائر، وفشلت في فيتنام، وستفشل في فلسطين.
السياسة ليست «صفقة0، والشعوب ليست أرقامًا.. في ميزانيات المانحين. ومن لا يفهم دروس التاريخ، سيتعلمها بالطريقة الصعبة.
- قيادي في حزب العمال البريطاني.