عبدالله عبدالسلام
«دان له الأصدقاء والأعداء. ليس ثمة قوة تتحداه ولا مشكلة تشغل باله. يتمتع طيلة الوقت بالسيادة والجاه والمال.. تركز تفكيره في ذاته. تجسدت له حياته في صورة بارزة واضحة المعالم والألوان»، هكذا صور نجيب محفوظ – في الحكاية السابعة من «ملحمة الحرافيش» – وُثوب جلال بن عبدربه إلى الفتونة بكل جدارة. ترامب يمر حالياً بهذه اللحظات «السعيدة».
يدخل، خلال أسابيع، البيت الأبيض أكثر قوة وسطوة.. مما كان عليه الأمر عندما فاز عام 2016. الكل، في الداخل والخارج، يخطب وده. فاز باكتساح هذه المرة، وحصل حزبه على الأغلبية في الكونجرس بمجلسيه. إنه ليس سيد اللعبة فقط، بل هو اللعبة ذاتها.
أحد الكُتاب الأمريكيين.. اعتبره مثل تمثال رودس العملاق، الذي أقامه اليونانيون عام 304 قبل الميلاد، وكان يُعد إحدى عجائب الدنيا القديمة.. إلى أن حطمه زلزال عنيف. هناك عمدة جديد في المدينة، وربما في العالم. الأمريكيون ينظرون إليه بارتياح.. بعكس الأمر قبل ثماني سنوات. إنه الفرق بين النصر الصادم 2016 والنصر العظيم 2024. ترامب نفسه يشعر بذلك. صرَّح مؤخراً: «في هذه الفترة، الجميع يريدون أن يكونوا أصدقائي. في فترة الرئاسة الأولى، كانوا يقاتلونني».
السياسيون ورجال الأعمال والصحافة والإعلام.. يترقبون ماذا سيفعل معهم وبهم. يشعرون بالقلق، ويريدون أن يستكشفوا مستقبلهم معه. بعضهم توجه إلى منتجعه في مارالاجو بولاية فلوريدا.. لإصلاح علاقاتهم به. رؤساء شركات التكنولوجيا العملاقة.. أنشأوا صندوق تبرعات لتمويل حفل تنصيبه فى 20 يناير المقبل.
نوو ويكسلر – الخبير التكنولوجي – الذي عمل في جوجل وفيسبوك وإكس، قال إن رؤساء شركات التكنولوجيا.. يهمهم التواجد في الغرفة عند صناعة القرارات الخاصة بمستقبل شركاتهم. هم يعلمون أيضاً أنه لكي تدخل الغرفة عليك أن تكتب شيكاً.
كل ما سبق منطقي ومفهوم في السياسة الأمريكية، إلا أن وضع الإعلام والصحافة أمر مختلف. هناك خوف لدى المُلّاك والصحفيين – خاصة الليبراليين – مما سيفعله ترامب.. الذي وصفهم في السابق بأنهم أعداء الشعب. تعمقت مخاوفهم، بعد أن رشح كاش باتيل – الذي دعا من قبل إلى الانتقام من الصحفيين – لرئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي».
ترامب اعترض مؤخراً.. على أقوى تشريع اتفق عليه الحزبان الجمهوري والديمقراطي – لحماية حرية الصحافة – في التاريخ الأمريكي. المشروع يحمي الصحفيين من تجسس الأجهزة الحكومية عليهم، ويحظر إجبارهم على كشف مصادرهم أمام المحكمة. ترامب حث الجمهوريين على رفضه. لكن على الأرجح.. سيتم تمريره، ويوقعه بايدن.. قبيل رحيله عن البيت الأبيض.
لم يكتفِ ترامب بذلك. أقام دعاوى قضائية ضد الصحف وشبكات التليفزيون ومراكز استطلاعات الرأي، لأنها تحدثت عن خسارته يوم الانتخابات 5 نوفمبر الماضي. شبكة إيه بي سي التليفزيونية.. سارعت بدفع مليون دولار تعويضاً، مع تكاليف الرسوم القانونية، لتسوية قضية ضدها، بعد أن قال أحد مراسليها إن ترامب أُدين بالاغتصاب.
محامو ترامب استهدفوا أيضاً الكاتب الصحفي الشهير بوب وودوارد – مفجر قضية ووترجيت ضد نيكسون – وأقاموا دعوى قضائية ضده.. لأنه بث مقابلات مسجلة مع الرئيس المنتخب. جادل المحامون بأن «وودوارد» مُخوَّل بتسجيلها.. لأغراض صحفية، وليس للنشر الصوتي.
المحامون رفعوا أيضاً قضية ضد شبكة «سي بي إس».. لأنها – وفقًا لهم – انحازت إلى كامالا هاريس، خلال مقابلة معها أثناء الحملة الانتخابية، مما يُعد تدخلاً «وقحاً». وصف صحفي أمريكي القضية.. بأنها دعوى خطيرة وتافهة، لكنها رسالة بأن ترامب.. مستعد لملاحقة الصحافة والإعلام.
الصحفيون يخشون من أن وسائل الإعلام.. ستبدأ فرض رقابة ذاتية على ما تنشره وتبثه بشأن ترامب. الدعاوى القضائية يمكن أن تدفع أيضاً إلى أن تكون التغطية الصحفية.. أكثر محاباة للرئيس. شون سبايسر – المتحدث الأسبق باسم البيت الأبيض في عهد ترامب – طالب بعدم حضور الصحافة اليسارية المؤتمرات الصحفية بالبيت الأبيض. الصحافة اليسارية – من وجهة نظره – تشمل صحيفتي نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وشبكات سي إن إن، وإن بي سي، وسي بي إس.
الرئيس المنتخب اختار أيضاً أحد أشد المحافظين الموالين له.. مديراً لإذاعة صوت أمريكا، لسان حال الولايات المتحدة في الخارج، التي تتلقى تمويلاً من الحكومة الفيدرالية، لكنها تعمل باستقلالية. المطلوب أن تتبع من الآن.. خط ترامب.
المفارقة، أن الرأي العام الأمريكي لا يهتم كثيراً بهواجس الصحافة والإعلام. استطلاع للرأي أظهر أن نسبة معتبرة من الأمريكيين.. لا يعتبرون مضايقة السياسيين للصحفيين ومؤسساتهم تهديداً لحرية الصحافة.
خلال السنوات الأربع المقبلة، ستكون الصحافة والإعلام وجهاً لوجه مع ترامب.. دون نصير أو مدافع.
نقلاً عن «المصري اليوم»