أحمد الجمال
لفت نظري – وربما كثيرين آخرين – الصبغة الدينية.. التي تضمّنها حفل تنصيب الرئيس الأمريكي، وتركيز الكاميرات على وجوه الحضور.. الذين بدوا خاشعين مغمضي العيون، مطرقي السمع، وكثير منهم كان يردد العبارات مع رجال الدين.. الذين يلقون العظات.
توقفت إزاء غياب تمثيل إسلامي، فيما كان التمثيل اليهودي والمسيحي حاضراً، ومن فوري اتجهت للبحث عن الأمر، وفي ذهني الخلفية التاريخية.. التي طالما درستها وطالعتها وكتبت عنها؛ وأعني بها أنه.. عندما أقيم حفل تتويج الملك شارلمان.. ثاني ملوك الأسرة الكارولينجية، التي انحدرت من سلالة الفرانكس، الذين غزوا بلاد الغال، بقيادة ملكهم كلوفيس الأول، وغيّروا اسمها إلى فرنسا، وذلك أواخر القرن الخامس الميلادي، أي حوالي عام 486 ميلادية.
المهم أنه آنذاك، كان البابا هو من يتوج الإمبراطور، وعندما جاءت لحظة تتويج شارلمان.. كإمبراطور للإمبراطورية الرومانية المقدسة، تقدم البابا ليضع التاج على رأسه، لكن الإمبراطور مد يديه.. وأخذ التاج ووضعه بيديه على رأسه؛ ليصبح الإمبراطور هو من يتوج نفسه.
ثم إن التاريخ الحديث، يعرف أن طقوس التنصيب الرئاسي الأمريكي، تضمنت تقليداً.. بدأه الرئيس جورج واشنطن – في أول حفل تنصيب عام 1789 – وهو أن يُقسم الرئيس على الكتاب المقدس، ولم تكن هناك دعوة لاشتراك رجال الدين في مراسم التنصيب.
وظل الأمر كذلك، إلى أن جاء حفل تنصيب الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1933، فتمت دعوة أول رجل دين.. ليقيم صلاة ويلقي موعظة – على النحو الذي شاهدناه في حفل ترامب، الذي غاب عنه ممثل للإسلام أو المسلمين الأمريكيين – وشاهدنا حاخاماً هو «آري بيرمان».. الذي يترأس جامعة يهودية في نيويورك هي «جامعة يشيفا». وحسب المصادر المتاحة على الإنترنت، فإن الحاخام بيرمان حصل على درجة الدكتوراه في الفكر اليهودي.. من الجامعة العبرية في القدس، وترأس مركز «هيخال شلومو» للتراث اليهودي في القدس.
كان رجل الدين الثاني.. الذي صلى في الحفل، هو «فرانك ماني».. من إيبراشية بروكلين الكاثوليكية الرومانية، وهو صديق لترامب منذ عام 2020.
أما رجل الدين الثالث.. فهو القس «لورينزو سويل» – من كنيسة في ديترويت – وكان من الركائز الأساسية في حملة ترامب الانتخابية، وهو قس تتضمن خدمته الدينية.. التزاماً بأن رسالة الإنجيل هي رسالة سياسية، والكتاب المقدس هو كتاب سياسي؛ على حد قوله.
ويقال إنه كان مخططاً.. لأن يلقي داعية إسلامي كلمة في الحفل، وتردد اسم «هشام الحسيني» – وهو إمام مسلم شيعي، يدير مركز كربلاء للتعليم الإسلامي.. في إحدى مدن ولاية ميتشجان الأمريكية – ولكن لم يظهر في الحفل، حيث تردد أن اسمه رُفع من قائمة المدعوين.. بسبب رفضه وصف حزب الله اللبناني بأنه منظمة إرهابية.
فإذا أضفنا إلى غياب ممثل للدين الإسلامي، أن أحداً من القادة العرب أو المسلمين.. لم يُدعَ إلى الحفل، تثور علامة استفهام غامضة، لا يخفف غموضها.. ما تضمنته كلمة ترامب، حول حرصه على أن تكون الولايات المتحدة دولة لا تعرف الألوان؛ أي لا تمييز عرقي أو ديني أو طائفي فيها.
ما سبق، هو ملاحظة سريعة.. حول دلالات شكل الاحتفال. أما الدلالات الأكثر أهمية – فيما أظن – فهي ما جاء في كلمة الرئيس ترامب.. وفي المقدمة منها ما اتصل بالممرات المائية، حيث كان واضحاً أن الولايات المتحدة لن تترك قناة بنما للصينيين، وننتظر ما سيتخذه من خطوات عملية، ثم يتعين علينا أن نفكر وندرس جدياً.. سيناريوهات الإجابة عن سؤال هو: ماذا لو امتد أمر الممرات المائية، إلى أن يطرح الأمريكان أو غيرهم في الغرب.. كلاماً عن قناة السويس؟ حيث لا نعدم أطروحات حول تاريخها، وحفرها، وإدارتها.. قبل تأميمها، ثم تأميمها، وإغلاقها في بعض الفترات.. التي شهدت حروباً حولها.
قد تتضمن تلك الأطروحات، أن تأميمها.. كان جزءاً من سياق صراع حاد، بدأ بين الشعوب التي احتلت أوطانها قوى الاستعمار القديم؛ أي البريطاني والفرنسي والهولندي والبلجيكي وغيرها. وبين تلك القوى الاستعمارية ذاتها، واستمر عقوداً.. استطالت في بعض الحالات لأكثر من مائة عام، وامتد الصراع – بصورة أو أخرى – مع ما سُمي في أدبيات التحرر الوطني.. «الاستعمار الجديد»، أو الإمبريالية.. التي وُصفت دوماً بالأمريكية.
على أية حال، فإن الشواهد العملية.. تؤكد أن السياسة الخارجية المصرية تتسم بالمهنية العالية، والبراعة في التوازن الدقيق. وإن كان ثمة انحياز.. فهو فقط للمصالح الوطنية المصرية العليا. وعند اللزوم، يكون للدبلوماسية المصرية مواقف متشددة ..وصارمة؛ إذا حدث مساس بالأمن القومي للوطن، أو حدث تجاوز – من أي جهة – تجاه مواطنيه.
وعليه، فإنه من المتيقن.. أن صانعي القرار المصري، ومتخذيه.. لديهم القدرة على التوقع، وعلى التعامل مع السيناريوهات المختلفة.. حول حاضر الإقليم ومستقبله.
نقلاً عن «الأهرام»