Times of Egypt

القانون ذو البُعد الواحد وانهيار الشمولية السياسية

Mohamed Bosila
نبيل عبدالفتاح

نبيل عبدالفتاح

عديد الأسئلة.. التي تطرحها هشاشة الدولة الوطنية ما بعد الكولونيالية، ومساراتها السلطوية.. في علاقة النظم السياسية العربية بمسألة دولة القانون، والحق، والحرية.

انهيار النظم الشمولية في سوريا، والسودان، وليبيا .. إلخ، والحروب الأهلية، هل لها علاقة بثنائية القانون والحرية في المنطقة العربية؟

 تبدو العلاقة.. وثيقة العرى، لأن النظم التسلطية، حولت التوازنات الدقيقة بين القانون، والحرية.. إلى سياسة أحادية، حيث مسار القانون بلا حرية، ومن ثم باتت الدساتير والقوانين.. محض وثائق بلاغية، أكثر من كونها تعبيراً عن مصالح الطبقات الاجتماعية الشعبية، والوسطى-الصغيرة، والوسطى-الوسطى. فهي تعبر عن مصالح مواقع القوة في تركيبة النظام، ومؤيديه وأتباعه والموالين له، وأيضاً مراعاة مصالح الطبقة الجديدة.. التي نشأت مع التحول إلى الليبرالية الجديدة، من داخل هيكل القوة داخل النظام وأعطافه الفاسدين، وقواعده الدينية والمذهبية والعرقية والقبائلية والعشائرية… إلخ. ومن قلب ظواهر الفساد الهيكلي في أجهزة الدولة البيروقراطية، على نحو أدى إلى فجوات سوسيو-نفسية، وسوسيو-دينية بين قوانين الدولة، وبين بعض الشعوب العربية، التي تتساقط فوق حياتها.. القوانين التي لا يعرفون عنها شيئاً، والتي تفرض عليهم التزامات وقيوداً باهظة.. من الضرائب والرسوم، وأيضاً تجريم متنام لعديد من السلوكيات الاجتماعية، دونما ضمانات إجرائية أوموضوعية.. تلتزم بها جهات الأمن، والتحقيق، وأجهزة إنقاذ القانون.

تحولت الدساتير والحقوق والحريات الدستورية.. إلى نصوص في البلاغة السلطوية الفارغة، وإلى تناقضات بين بعضها، والبعض الآخر، وبعضها يلغى في القوانين المكملة للدساتير.. في الأغلب الأعم؛ خاصة في النصوص المتعلقة بالدين الرسمي، واعتباره المصدر الرئيس للتشريع.. على نحو يؤدي إلى توظيفات سياسية وضعية للدين بامتياز، لوضع قيود على بعض الحريات العامة، والشخصية.

المصادرة الفعلية للحقوق والحريات العامة.. حوّلت القانون إلى محض أداة سلطوية، ترمي إلى الهيمنة على سلوك الأشخاص، والمجتمع من أعلى إلى أسفله، دونما مراعاة لمصالح أغلبية الشعوب العربية.. إلا قليلاً، لاعتبارات تتصل باستقرار النظام.

في تركيبة النظام السوري – الذي ارتكز على تجمع أقليات في صلبه – قام بتهميش الأغلبية السنية، واستخدام بعض الموالين له حزبياً من البعث، وذلك في بعض المواقع السلطوية والقيادية في الحزب الحاكم، والأحزاب الموالية المتوافقة مع النظام، وذلك دونما حياة سياسية أو حزبية أصلاً، وفي ظل موت دائم للسياسة من أسفل إلى أعلى، ومن القمة السلطوية للقاع الاجتماعي!

في ليبيا كانت التركيبة القبلية، والمناطقية للنظام السياسي.. في خدمة الكولونيل القذافي وتصوراته.. وتغيراتها المفاجئة. وغالبها مفارق للواقع الموضوعي.. الداخلي، والإقليمي، والدولي. كانت كلمات وانطباعات العقيد بمنزلة قانون.. يتم تنفيذه واقعياً على المكونات القبلية والمناطقية؛ سواء صدر بها قانون، أو لم يصدر! وأدى ذلك إلى التدخل الدولي في ليبيا.. فى أثناء ما سُمي بالربيع العربي، ومن ثم إلى تفكك الدولة والنظام، ونشوب حرب أهلية.. مدعومة خارجياً، ومحمولة على القبائلية والمناطقية، التي تحولت إلى قبائلية سياسية، لم تؤسس لدولة وطنية قبل القذافي، وما بعده.

في اليمن، كانت القبلية السياسية، هي أساس النظم الجمهورية وانقلاباتها، ويتم استبعاد بعض المجموعات المذهبية، على نحو جعل من اليمن.. دائرة واسعة للتدخل الإقليمي من إيران، ومن ثم تحول إلى ساحة للتدخلات.. عبر بعض الفواعل ما دون الدولة، التي استطاعت أن تسيطر على الدولة، وأيضاً كانت هيمنة بعض أبناء القبائل الكبرى.. جزءاً من هيكل القوة القبلية للدولة، والنظام.

في السودان، ما بعد الاستقلال، كانت قبائل الوسط النيلي.. وهويتها العربية المتخيلة، تسيطر على «مؤسسة البيتين الميرغنية والمهدية»، ثم في إطار ثنائية الحكم المدني ثم العسكري وانقلابات طيلة سودان ما بعد الاستقلال. وكان بعض القوانين لا تعدو سوى أدوات للسيطرة – خاصة في ظل الانقلابات العسكرية المتلاحقة.. في أعقاب فشل الحكم المدني – ومن ثم كانت القوة داخل قبائل الوسط النيلي العربية.. في هياكل الدولة الهشة، مع استبعادات وتهميش للمكونات السودانية القبلية والعرقية الأخرى.. في إقليم دارفور وقبائل البجا في الشرق، وشمال كردفان، وجنوب السودان، وكلها تم تهميشها في حياة الدولة والمجتمع والنظام أياً كان مدنياً أو عسكرياً.

استُخدمت مسألة الهوية وصراعاتها.. بين قبائل الوسط النيلي العربية، إزاء الثقافة والعرق الأفريقي المسلم، وغيره في بقية مكونات المجتمع السوداني المتعدد. في هذه النظم السلطوية، لم تكن الدساتير والقوانين تشكل تعبيراً عن التوازنات بين المصالح الاجتماعية المتصارعة.. لمصلحة معنى الدولة والنظام، ومن ثم لم تراعَ  أو تتجسد الحريات العامة والشخصية في التطبيق، وإنما تحول القانون إلى أدوات لقمع الحريات.. باسم تأويلات النظام للدين، ومحاصرة ووأد أي إمكانات للمبادرات الفردية أو الجماعية، ومن ثم أثرت على العقل الجمعي؛ من خلال معتقلات الروح، والضمير، والعقل، ومحاولات يائسة لهندسة السلوك الفردي، والجماعي المؤدلج دينياً من السلطة الحاكمة .

أدت هذه الممارسات – خارج الدساتير والقوانين – إلى نفي مفهوم الدولة.. في الوعي الجمعي لبعض الشعوب.. لمصلحة النظام التسلطي، الذي يخلط في تشوش في عديد الأحيان بين الدولة، والنظام، والحاكم ومواليه وزبائنه السياسيين.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.