Times of Egypt

العمارة والتفكير الخرساني!

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

رغم التوسع العمراني الهائل.. الذي تشهده مصر حالياً، يتراجع تأثير مدرسة العمارة المصرية، مما يثير تساؤلات بشأن واقع ومستقبل هذه المدرسة العريقة. د. أحمد هلال محمد، أستاذ الهندسة المعمارية، خلُص في دراسة بعنوان: «أزمة هوية العمارة المعاصرة في المدينة المصرية» إلى أن: «العمارة المصرية المعاصرة فقدت هويتها ومحليتها، ولم يعد في الإمكان تصنيف اتجاه واضح وشامل يميزها، حتى إنه يمكن القول إنها أعطت – نتيجة لتكرارها – أشكالاً أكثر مللاً لمدننا، وفوضى معمارية وفنية لا تمت للبيئة بصلة، وغير متناسبة مع المتطلبات الاجتماعية والقيم الحضارية لمجتمعنا».

في العهد الليبرالي، تنوعت أشكال العمارة المصرية، سواء من خلال التأثر بالعمارة العالمية والأوروبية ومحاولة محاكاتها.. مع السعي لإيجاد نموذج حداثي وطني، يستفيد من العالم ولا يقلده، أو العودة إلى طابع بناء مصري قديم، واستلهامه مثل.. العمارة الفرعونية والقبطية والإسلامية. 

بعد 1952، كان المطلوب عمارة عملية.. تؤدي المستهدف، دون تركيز على الجماليات. عمارة اشتراكية متأثرة بنماذج من الاتحاد السوفيتي وشرق أوروبا؛ كما يقول الباحث المعماري محمد الشاهد في كتابه: «الحداثة الثورية.. العمارة وسياسات التغيير في مصر 1936- 1967». 

ومن أجل ذلك سعى المعماريون إلى التماشي مع طموحات الثورة.. من خلال البحث عن هوية جديدة لتتشكل حركة معمارية حداثية قادها معماريون عظام، في مقدمتهم المهندس سيد كريم، الذي صمم مشروعات عديدة كمبنى الغرفة التجارية (1955) وشقق الميريلاند (1958) وبرج القاهرة (1958). 

سبقت ذلك محاولات لإحياء التراث المعماري المصري، أبرزها التجربة الرائدة للمهندس حسن فتحي (1900- 1989)، والمتمثلة في عمارة الفقراء، من خلال إعادة بناء قرية «القرنة» التابعة لمحافظة الأقصر.

الآن، يشكو المتخصصون.. من أن غالبية مباني المدن المصرية – القديمة والجديدة – تفتقر إلى هندسة المعمار وتخاصم الإبداع. هناك فقر في الفكر المعماري، سببه تخلف دراسة العمارة، والتفكير بمنظور البناء والتشييد.. وليس بمنظور معماري إبداعي، كما يرى الرئيس الأسبق لجهاز التنسيق الحضاري، سمير غريب. التركيز حالياً على استيراد نماذج معمارية من دبي والصين، بشأن إقامة الأبراج وناطحات السحاب. مشروع مثلث ماسبيرو مثال واضح، حيث افتقاد العنصر الجمالي، لصالح أكبر عدد من الوحدات السكنية. أما في التجمعات السكنية الجديدة، فالاتجاه الغالب.. اقتباس طرز معمارية إسبانية وإيطالية وأمريكية وغيرها. حتى عندما تتم الاستعانة أحياناً بالطراز المعماري الإسلامي، فإن التركيز يكون على الواجهات فقط، وإلباسها مفردات العمارة الإسلامية، دون تبني القيم والمفاهيم التي تقوم عليها.

في عام 1998، أجريت – خلال عملي مراسلاً لصحيفة الأهرام في لندن – حواراً مع الفيلسوف المصري الراحل فؤاد زكريا (1927- 2010)، الذي اشتكى مُر الشكوى من التشوه المعماري في مصر، ووصفه بأنه تلوث بصري، فماذا لو كان موجوداً معنا، ورأى هذا المزيج المتنافر.. من الأنماط المعمارية البعيدة عن تقاليد وعادات المجتمع، والأسوأ سيطرة «التفكير الخرساني»، الذي يركز على المباني والمنشآت، ولا مكان فيه للجماليات المعمارية؟!

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.