Times of Egypt

العقل العربي والدولة والسلطة 

Mohamed Bosila
نبيل عبدالفتاح

نبيل عبدالفتاح 

من أبرز مشاكل العقل العربي المعاصر.. هيمنة الأيديولوجيا، والتأويلات الدينية التاريخية النقلية الوضعية ـ أياً كانت ـ على عمليات التفكير، ورصد وتفكيك وتحليل الواقع الموضوعي، ومن ثم الميل إلى المقولات الجاهزة، التي يتم بلورتها في الغالب بعيداً عن البحث التاريخي وسياقاته، ومعه الإمبريقي، ودراسات الحالة، وغيرها من المقاربات المنهجية.. التي تحاول فهم الواقع الموضوعي في ذاته؛ أياً كانت مجالاته ومشاكله وأزماته، وتحليله واستخلاص نتائجه، ثم صياغة السياسات الكلية، أو الفرعية التي ترمي إلى معالجة اختلالاته في جذورها. 

الأيديولوجيا تبدو مفارقة للواقع الحي في كل مجتمع، ومن ثم تختزل هذا الواقع المعقد – لا سيما في الدول المتخلفة تاريخياً – في أنماط من الإجابات الجاهزة، التي تفسر كل شيء، ولا تفسر شيئاً، وهو ما يبدو في تركزها على الفكر الشعاراتي.. الحامل للنزعة للتعبئة، والسيطرة من السلطة، والاختلالات في وظائف السلطات الثلاث، وغياب الفكر المؤسسي في إدارة شؤون البلاد. 

دول وسلطات ما بعد الاستقلال.. ذات وجهين، الوجه الأول: يرمي إلى تحقيق وظيفة التعبئة السياسية، والاجتماعية للمجتمع، وفئاته الاجتماعية المختلفة، وتعظيم دور السلطة الحاكمة. الوجه الثاني: هجاء الأنظمة العربية الأخرى.. المخالفة لسياسات النظام؛ وخاصة الأنظمة المجاورة، والمنافسة في الإقليم، والجوار الجيوسياسي ـ الدول التقدمية والدول المحافظة والرجعية ما بعد الاستقلال ـ في ظل منافسات وصراعات بين الدول والأنظمة العربية بعضها بعضاً، كما حدث في العقود الماضية.  

في مواجهة أقنعة أيديولوجيا النظام/السلطة، حاول بعض المعارضات والمثقفين، والمنظرين الأيديولوجيين، توظيف المقولات الأيديولوجية الماركسية، والليبرالية، والقومية العربية، والإسلام السياسي الوضعي المؤدلج.. في نقد النظم الحاكمة، وتعرية أزمات الشرعية السياسية داخلها، وتركيبتها وقاعدتها الاجتماعية التقليدية – الدينية، والمذهبية، والعرقية، والقبلية والعشائرية، والمناطقية ـ وإسناد الفشل لسياساتها.  

ظلت مسألة نقد السلطة، وسياساتها العميقة.. الشاغل الرئيس للخطاب النقدي المؤدلج، المضاد للخطاب السلطوي المحمول على الشعاراتية. خطاب السلطة الاقتصادي.. كان تعبيراً عن تزييف واقع الحياة الاقتصادية؛ من حيث الإحصائيات المصطنعة، وغير الدقيقة في الأرقام، لإثبات أن ثمة نمواً اقتصادياً وتنمية.. سواء في مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار الغربي، أو في مراحل رأسمالية الدولة الوطنية، ثم التحول الاقتصادي إلى نظام الانفتاح الاقتصادي، وسياسات الباب المفتوح، والإصلاح الاقتصادي، وإعادة الهيكلة، ثم الرأسمالية النيوليبرالية.. من الباب المفتوح، إلى النيوليبرالة.. مع استمرارية الأبواب المغلقة سياسياً وثقافياً. 

بعض العقل السلطوي العربي ـ العراق، وسوريا، وليبيا والسودان واليمن – يميل إلى محالفيه، ويمثلون دائرة استشاراته وإدارته في كافة الشئون. هذا النمط من النظام.. يقوم على الطاعة والانصياع للأوامر، وهو أمر يختلف عن الحياة المدنية والسياسية، التي تتأسس على الدساتير والحريات العامة والشخصية، والتوازن النسبي.. في بعض الصراعات على المصالح الاجتماعية، ومن ثم هيمنة السيطرة على الجدل والسجال، والحوار بين الأفراد بعضهم بعضاً، وعلى الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية، ومنظمات العمل الطوعي، والمبادرات الفردية والجماعية، وأيضاً على الصراعات الاجتماعية، بين الطبقات المختلفة، والتنافس السياسي، وكلها على مفهوم الحرية وتجلياته المختلفة.  

من هنا، تجلى التناقض الجذري والحاد.. بين ثقافة وتقاليد الأمر والنهي والطاعة والخضوع والامتثال، وبين ثقافة الحرية، والتنوع والتعدد، والخلاف، والصراع والتنافس السلمي؛ خاصة في المجتمعات الانقسامية، وتعددياتها الدينية والمذهبية والعرقية والطائفيّة والقبائلية، على نحو ما حدث في العراق، وسوريا، والسودان وليبيا.. في مراحل ما بعد الاستقلال عن الاستعمار الغربي، على نحو فاقم من أزمات التكامل الداخلي بين هذه المكونات الأساسية المتعددة، وهوياتها المختلفة.  

بعض العقل السلطوي العربي، كان يركز على مفاهيم التنمية، والتعبئة السياسية والاجتماعية ومصادرة المبادرات الشخصية، والجماعية، وتقييدها بالنصوص القانونية، والسياسات الجنائية، والعقابية.. التي تمددت إلى مساحات واسعة من تفاصيل الحياة اليومية، في مجال جرائم أمن الدولة من الداخل والخارج، وأيضاً فرض النزعة التجريمية.. على عديد من السلوكيات الاجتماعية، وتغليظ العقاب عليها. 

إن دراسات العقل والسلطة والحكم في المجتمعات العربية.. تبدو محدودة، ولا تزال يتشوبها بعض من الغموض. ومن الملاحظ ان العقل السلطوي العائلي التقليدي.. يستعين ببعض من أهل الخبرة الأمريكية والأوروبية؛ في إطار علاقاته الوثيقة بالمركز النيوليبرالي الكوني. 

من هنا، تبدو مفاهيم الدولة والنظام السياسي، والسلطة، وأجهزة الدولة.. مختلفة في الإدراك والوعي الاجتماعي والسياسي لبعض الحكام – بل وبين غالبية الشعوب – عن مصادرهم المرجعية في التقاليد الغربية، ومن ثم يتطلب ذلك مقاربات مختلفة.. عن تلك التي سادت في الفكر السياسي العربي، والدراسات الأكاديمية في هذا المجال، لتحقيق فهم أكثر عمقاً، يعتمد على الواقع التاريخي والموضوعي، وهو ما يتطلب إجراء دراسات ميدانية، والتنظير المباشر للواقع المتغير.. في هذه المنطقة الجيوسياسية العربية، وما حولها! 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.