Times of Egypt

السياسة في عصر السرعة الفائقة

Mohamed Bosila
نبيل عبدالفتاح

نبيل عبدالفتاح

إحدى أبرز سمات الاضطراب، والتغيرات الكبرى في سياقات الثورة الصناعية الرابعة، السرعة الفائقة في تفاصيل الحياة اليومية ومفاهيم العمل، والاستهلاك، والسياسة، والتفكير، والشهرة، ونظام الأكل والشراب، والعلاقات الشخصية، ومفهوم الصداقة، والأسرة، والدين. في كل مساحات الحياة وتفاصيلها، اجتاحتها السرعة الفائقة.. على نحو تبدَّى في تدفق الاكتشافات التكنولوجية، والرقمية التي تنهمر وتغير وجوه الحياة المألوفة، وعلاقات الإنتاج والعمل، وتدفع نحو تزايد معدلات البطالة، وفقدان القدرة على التكيف وإعادة التأهيل لأعمال أخرى جديدة، تتوافق مع التغيرات التكنولوجية النوعية في مختلف مجالات الحياة، وعديد الظواهر السوسيونفسية ، مثل تمدد حالة الاغتراب.

ثمة تأثيرات كبرى.. امتدت من الدول الأكثر تطوراً في شمال أوروبا وشرقها، واليابان وكوريا الجنوبية، وآسيا الناهضة.. في سرعة كبيرة حول الصين، والهند، وسنغافورة، وماليزيا.

كل هذه التغيرات – التي تحملها الثورة الصناعية الرابعة، والذكاء الاصطناعي التوليدي، وثورة وسائل الاتصال الرقمية، وفضاءات التواصل الاجتماعي – تطرح معها أسئلة جديدة.. حول المعنى في الحياة وعلى كل النظريات والمفاهيم والاصطلاحات، في الفلسفة والعلوم الاجتماعية، والسياسية، والقانونية . من ثم نحن على مشارف قطائع معرفية – إبستمولوجية – مختلفة تماماً، عن القطائع المعرفية التي شهدها الفكر الفلسفي والسياسي العالمي.. على نحو سيؤثر نوعياً على مقاربات فهمنا للعالم والوجود والشرط الإنساني، والأنظمة اللغوية في ثقافات العالم، بل على علاقات القوة اللغوية، وأنظمتها الكبرى، بحيث ستسيطر اللغة الصينية.. لتصبح اللغة الأولى عالمياً بين العقود 2050 إلى الألفية المقبلة، وتصبح اللغة الإنجليزية الثانية، وتتعدد لهجاتها، وأشكالها؛ وفق تقديرات كبار علماء اللغة الفرنسيين.

ستسيطر على الأنظمة اللغوية العالمية، اللغة التقنية واصطلاحات جد مختلفة حاملة مفاهيم مغايرة، وذلك في سرعة استثنائية.. في توالد المفردات، والاصطلاحات، وأيضاً المجازات التي يبدو أنها ستختلف عن الموروث المجازي التاريخي والمتطور.. في لغات عالمنا المتعددة. من ثم ستتغير اللغة الأدبية، ومجازاتها، والمقاربات النقدية ونظرياتها، واصطلاحاتها، ومن ثم على محمولات اللغة من الخيال الأدبي والشعري. من خلال التقنيات الرقمية، وتأثيراتها على القيم الاجتماعية والسلوكية. سيتغير العالم عبر التقنيات واللغة، في سرعات متلاحقة.

ستؤدي السرعة الفائقة، والذكاء الاصطناعي التوليدي وتطوراته إلى التأثير على العقل الديني والمذهبي في كل أديان العالم، ومذاهبها السماوية والوضعية، حيث ستتراجع عديد من البنيات الاصطلاحية الفقهية واللاهوتية والتوراتية، ومن ثم التأويلات، والتفسيرات الوضعية حول المقدس السماوي – تعالى وتنزه – ومفاهيمه ودلالاته في كل ديانة، وتأويلاتها المذهبية، وستحدث فجوات واسعة، بين الخطابات الدينية والمذهبية – أياً كانت – وبين الأجيال الجديدة، والقادمة مستقبلاً التي سيتشكل عقلها الفردي والجمعي وأنماط تفكيرها على خلاف وتمايز عن الأجيال السابقة لها.

هذا سيفرض تحديات على المؤسسات الدينية والمذهبية – أياً كانت – ومعها تغيرات ضخمة، في أنظمة تعليمها، وتكوينها لرجال الدين، وذلك لمجاراة التغيرات السريعة والمتلاحقة ، والمرجَّح أن الذكاء الاصطناعي التوليدي المتغير.. بدأ دوره من اللحظة التاريخية الراهنة حيث يشغل بعض أدوار رجال الدين، ومؤرخي الأديان المختلفة والمقارنة، في تقديم المعلومات الفقهية والتفسيرية والتأويلية، وحول تاريخ كل ديانة، ومذهب، والفتاوى الموروثة والمتراكمة والمعاصرة، والأهم أنه سوف يلعب دور الترجيح بين بعض الآراء بعضها بعضاً، على نحو يختلف نوعياً عن العقل النقلي وغيره المسيطر على العقل الديني الشائع في غالب دول العالم وخاصة الإسلامي والأرثوذكسية الشرقية والعربية .

تبدو تأثيرات الثورة الاصطناعية الرابعة قادرة على نشأة فرق، وجماعات دينية وضعية جديدة،، وربما أديان وضعية جديدة، بعضها مختلف تماماً عن الأديان العالمية، وبعضها الآخر خارج من أصلابها على نحو مختلف ، خاصة في الأسواق الدينية الكبرى، كما في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في آسيا.

لا شك أن ثورة وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي.. أدت إلى فضاءات واسعة لحريات الرأي والتعبير، ومن ثم باتت تشكل أدواراً ووظائف سياسية في ممارسة الضغوط على السلطات السياسية والأمنية والاستخباراتية والبيروقراطية في غالب بلدان العالم المتقدمة والمتوسطة والفقيرة، حيث باتت الجموع الرقمية الغفيرة – والفعلية – تشكل أكثر جماعات الضغط قوة وتأثيراً على صناعة السياسات والقوانين، والقرارات السياسية، في عديد المجالات، وخاصة في القضايا التي تمس فرص العمل، والتضخم، وغيرها المؤثرة على أنماط الحياة للطبقات الوسطى، والعمال، وأنظمة التأمين الاجتماعي والصحة… إلخ.

الحرية الاستهلاكية باتت الأهم.. في ظل تطورات الرأسمالية الغربية، والنمو المفرط لأنماط الاستهلاك المعمم، ومن ثم انتقلت حرية الاستهلاك الفعلية إلى وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية، لتنتج حرية استهلاك رقمية واسعة النطاق.

الحرية الاستهلاكية الرقمية باتت مؤثرة.. على إضعاف أدوار الأحزاب السياسية التاريخية في أوروبا واليابان والولايات المتحدة، على الرغم من توظيفها للرقمنة في نشاطاتها، والترويج لبرامجها السياسية، إلا أن استهلاك هذه البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية بات محدوداً، ولا يلبي مطالب الجموع الرقمية الغفيرة – لا سيما الطبقات الوسطى – التي باتت تطالب بإدخال تعديلات على النظام الديمقراطي التمثيلي، حتى لا تسيطر الحكومات المنتخبة على مقاليد السلطة، وتمرير تشريعاتها القانونية من البرلمانات، التي لا تخدم مصالح الطبقات الوسطى، وغيرها.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.