عادل نعمان..
تُعتبر الديمقراطية.. أفضل نظام سياسي لحكم الشعوب.. حتى الآن، والملاحظ أن كل الأنظمة الديكتاتورية والدينية، تتسابق لتتجمل بها أمام شعوبها والعالم الخارجي، وحقيقة الأمر.. هذه مساحيق، تنفضها بمجرد أن يتفرق المولد الديمقراطي، فهي أنظمة لا تدع لطرف من الأطراف.. حرية الحركة خارج الخطوط المحددة، بل تفرضها وتزكيها، وتختارها وتحدد أدوارها.. حتى انتهاء تمثيلية الانتخابات، فهي تعلم أنها.. لو أطلقت للديمقراطية العنان، لجاءتهم بما ليس في الحسبان.
والعالم كله لا يدخل عليه هذا التحايل، إلا أن وراء كل حكم ديكتاتوري أو ديني.. أجهزة مخابراتية؛ فهي أدواته حين الطلب، وآخرهم هذا الشرع الجولاني.. المحكوم عليه بالإعدام في العراق، والمطلوب للعدالة في أمريكا.. بمكافأة عشرة ملايين دولار، والمصنف إرهابياً دولياً.. هو وجماعته، سيدخل القصر الرئاسي السوري بعفو شامل، ليكون إحدى أدوات المخابرات.. للتطبيع مع إسرائيل، فكم من الجرائم تُرتكب باسمك.. أيتها الديمقراطية العرجاء!
والديمقراطية نظام حكم؛ يقوم على اختيارات الأغلبية، واحترام حقوق الأقلية، والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات، واختيار المجالس الشعبية والنيابية، ومساءلة أصحاب القرار. إلا أن المواطنة.. هي القاعدة الأساسية، التي تعتمد عليها الديمقراطية. والعمود الفقري.. الذي تستند إليه، ويشتد بها عودها. وهما متشابكتان ومتلازمتان.. بشكل متناسق ومتناغم ومعقّد، يصعب فصلهما، أو عمل طرف دون الآخر. وبغيرها، تكون العملية الديمقراطية هشة، وتسقط في أول اختبار حقيقي.
ومشكلة التيار الديني – وإن أعلنت قياداته التزامها بالديمقراطية والمواطنة، واعتمادهما منهجاً – فإن هذا الإعلان ليس معتمداً أو معتبراً.. عند منتسبي هذا التيار، فإذا ما أعلن أبومحمد الجولاني في سوريا.. عن احترام المواطنة وحقوق الأقليات، فإن هجوم الفصائل المسلحة على الأقليات، وسرقتهم، واستلاب حقوقهم في حماة ومحافظات الساحل وريفها، والاعتداء السافر على القرى «العلوية»..تصفيات حسابات،«والمسيحية»..سرقة ونهباً، حتى حرق شجرة عيد الميلاد، والاعتداء على الكنائس.. دليل دامغ على زيف هذا الإعلان، وعدم اعتماده، وهو لا يستطيع – هو أو غيره – أن يواجه.. أو يرفع يديه معترضاً، فهو يعلم حدود الكذب، وهم يعلمون حدود الصدق.
وفي غياب المواطنة، فإن الديمقراطية.. تكون في حكم الغائب. فلا مشاركة.. دون مواطنة صادقة. ولا حرية لوطن.. دون مواطنة حقيقية، وممارسة فعلية. ولا انتماء لوطن.. إذا انتُقص فيه حق المواطن، أو شعر أن ترتيبه في السلم الوطني.. مرهون بلون أو دين أو أيديولوجية. المواطنة.. نمط حياة وسلوك، وموروث اجتماعي وثقافي وحضاري وتعليمي، يبدأ منذ البدايات الأولى.. في البيت والمدرسة والشارع وأمام القانون. وهذا التيار، تغيب عنه كل هذه المعاني، وهذه الدرجات، وهذه الشواهد؛ إيمانه راسخ بالتمييز والعنصرية، فهو يأتي في المرتبة الأولى.. وغيره في الدرك الأسفل في الحياة الدنيا والآخرة. وحين تعلم أن كل هذه الفصائل.. معلمها الأول هو ابن تيمية، وأفكاره هادية لهم؛ في فتواه (يجب معاداة الكافر، وإن أحسن إليك، وأعطاك وأكرمك – الكافر هو من كان على غير ملة الإسلام – وكل من هو غير مؤمن، هو عدو الله ورسوله والمؤمنين، ويجب بغضه ومعاداته وإهانته. ويجب موالاة المؤمن.. وإن أساء إليك وظلمك)، فكيف يكون شكل المواطنة عند هؤلاء؟
والديمقراطية عندهم.. كفر بواح، لأنها خرجت عن منهج الشورى، والشورى منهج شرعي، معتبر.. عن الديمقراطية العلمانية الكافرة. وفي تعريفهم.. هي «طلب الرأي ممن هو أهل له، أو استطلاع رأي الأمة، أو من ينوب عنها في الأمور العامة». ولم نعرف في تاريخ المسلمين نموذجاً تاريخياً للشورى.. يمكن القياس عليه، فضلًا على أن الشورى – التي جاء ذكرها مرتين في القرآن – لم يُقصد بها شورى الحكم؛ فالأولى كانت خاصة بمشورة الأنصار، لأنهم كانوا أهل شورى – أي يتشاورون فيما بينهم.. في أمورهم -«وأمرهم شورى بينهم».والثانية «وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله»..كانت خاصة بأمر الحرب، فلا علاقة مطلقاً بين الشورى الواردة في القرآن، وبين منهج حكم الشعوب.
فإذا أضفنا أن الشورى (ليست ملزمة للحاكم)؛يأخذ بها، أو يتركها.. كما يرى الكثير من رجال الدين. تصبح الشورى بعيدة تمام البعد.. عن إدارة الدول. وهو منهج جد خطير، أن يكون الحكم مطلقاً، أو وجهة نظر خاصة للحاكم.
أما عن أهل الحل والعقد، فأمر آخر..
«الدولة المدنية هي الحل».
نقلاً عن «المصري المصري»
الديمقراطية.. وتيار الإسلام السياسي
شارك هذه المقالة
اترك تعليق