Times of Egypt

التحديات المنتظرة بالشرق الأوسط في 2025

Mohamed Bosila
نبيل فهمي

نبيل فهمي

على مدار الاثني عشر شهراً الماضية، اشتدت حدة الدمار، وارتفعت حصيلة القتلى.. بغزة والضفة الغربية. وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاقية مؤقتة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فإننا لانزال بعيدين عن إيجاد حل جذري للأوضاع في غزة، وتحقيق استقرار شامل وحقيقي يتبعه إنهاء للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

من ناحية أخرى، فإن الأوضاع والقضايا الإقليمية.. في بقية الدول العربية لم تشهد سوى تحسن طفيف، مثل تحقيق بعض التقدم الضئيل في اليمن، وحدوث اتفاق بين لبنان وإسرائيل.. في محاولة لاحتواء التوغلات الإسرائيلية عبر الحدود اللبنانية، وإن كان هذا الاتفاق لا يزال قيد الاختبار. بالإضافة إلى أن العنف قد تصاعد في مختلف أنحاء المنطقة، مع قيام إسرائيل بالتوسع في احتلال الأراضي العربية (لتشمل أجزاء أكبر من الجولان السوري) واستهدافها – بشكل متكرر – لبعض الأهداف في إيران، وبعض المواقع في اليمن. وكذلك فإن ما شهدته سوريا.. من قيام تحالفات من القوى المختلفة بالإطاحة بالحكومة السورية، قد يؤدي إلى سنوات من الانتقال/ التحول. ومن الطبيعي أن يكون لعدم استقرار سوريا.. عواقب وخيمة على الدول المجاورة، وبخاصة على لبنان والأردن والعراق وتركيا.

إن كل ما سبق ذكره، يمثل حال المنطقة العربية ونحن ما زلنا في بداية عام 2025.

لقد وجدت نفسي – قبل بضعة أيام – جزءاً من نقاش.. سمعت فيه وجهة نظر؛ مفادها أن المنطقة قد وصلت للحضيض.. ولذا فلا يمكنها إلا أن تتحرك للأمام، وقد أدت وجهة النظر هذه.. إلى تأجج واحتدام النقاش.

أنا لست متشائماً، ولم أفقد الأمل في أن العالم العربي والشرق الأوسط سيتمكنان يوماً ما.. من التعامل مع المستقبل بشكل أكثر إيجابية. ومع ذلك، فإن هذا المسار الإيجابي.. يعتمد على وضع سياسات موضوعية، تقوم على الأدلة، والحكم الاستراتيجي الرشيد والعقلاني والفعّال.

حلول بعيدة المنال:

إن حل المشكلات الحادة المذكورة أعلاه.. أمر ضروري، وخاصة بالنظر إلى مستوى الدمار وإراقة الدماء الذي شهدناه. ومع ذلك، ففي ظل الفوضى الكاملة – التي يعاني منها النظامان الدولي والإقليمي – يبدو مثل هذا الحل بعيد المنال على الأقل في المستقبل القريب. ولذلك، فقد يكون من المفيد تسليط الضوء على نقاط معينة، تتعلق بالعديد من القضايا الرئيسية.

ليبيا: تُعد ليبيا دولة غنية، ولكنها للأسف فاشلة، والسبب في ذلك.. هو أن قادة الدولة يعطون لأنفسهم الأولوية على المصالح الوطنية، وبالطبع يستمتع الفاعلون الدوليون بهذه الفوضى السائدة، ويستفيدون منها. كلا الاتجاهين بحاجة إلى تغيير. وللمساعدة على حل الأزمة بليبيا، يمكن لمصر – ربما بالتعاون مع الجزائر و/أو الأمم المتحدة – أن تأخذ زمام المبادرة الدبلوماسية في هذا الصدد، وتعقد مؤتمراً.. مماثلاً للمؤتمر الذي عُقد سابقًا في برلين، بغرض إنهاء التدخل الأجنبي في ليبيا، وإنشاء مؤسسات ليبية وطنية تستجيب لجميع قطاعات المجتمع الليبي، وتكون غير خاضعة لأحد.

السودان: إن الحرب الأهلية بالسودان.. هي بمثابة كارثة إنسانية وأخلاقية. ويجب – على وجه الخصوص – على الدول العربية أن تتحد، للضغط على الأطراف السودانية المتصارعة، وتحفزهم على إنهاء الصراع، وانتخاب حكومة انتقالية محايدة.. تكون قادرة على توفير المعطيات الأساسية لإجراء انتخابات سودانية نزيهة، لاختيار قادة جدد.. بحرية. وبالطبع، سيكون للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي دور بالغ الأهمية في إتمام هذه العملية بسلام.

فلسطين وسوريا: يجب إيقاف نزيف الدماء والدمار في غزة؛ فإعادة بناء القطاع ضرورة ملحة لعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم. ولكي تتحقق، يتطلب ذلك نهجاً ذا شقين مترابطين. يتعلق الشق الأول بوقف إطلاق النار، الذي سيشمل تبادل الأسرى والرهائن بين الجانبين، وانسحاب القوات الإسرائيلية، والتنسيق الأمني، والدعم الإنساني، وإعادة الإعمار. ويركز الشق الثاني على حل/ إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وإنشاء دولة فلسطينية على أساس قرار الأمم المتحدة لعام 1967، واتخاذ خطوات ملموسة – يكون قد اتفق عليها – على مدار فترة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات.

أما في سوريا: فإن تحديد اتجاه التحول الجاري فيها.. يشكل مصدر قلق بالغ الأهمية بالنسبة للعديد من الأطراف بالمنطقة؛ لذا فمن الضروري أن يتم بناء سوريا جديدة شاملة ووسطية ولديها قبول للآخر، تحترم مواطنيها وأعراقهم المتنوعة، وتحافظ على هوية عربية واضحة. إن احتمالات الانهيار أو الطائفية.. تفرض عواقب وخيمة على المستوى المحلي، وتمثل تهديداً محتملاً للدول المجاورة؛ لذا فلابد أن تكون المشاركة العربية.. قوية في التزامها، وشديدة الصراحة في التعبير عن توقعات العالم العربي؛ فالسماح للدول الإقليمية باستغلال الظروف الحالية أو فراغ السلطة في المستقبل يُعد خطراً للغاية.

الدول غير العربية: إن العلاقات بين الدول العربية، والدول الثلاث غير العربية (إسرائيل وتركيا وإيران) في المنطقة، سوف تخضع للاختبار وإعادة التعريف هذا العام. فإسرائيل – إلى جانب احتلالها للأراضي العربية – أكدت بلا خجل.. استعدادها لاستخدام القوة.. حيثما يخدم ذلك مصالحها. ولابد من احتواء مثل هذا الاتجاه الخطر، ليس فقط من أجل تداعياته، بل أيضاً لمنع اتخاذ الآخرين له كنموذج يُحتذى به؛ مما سيؤدي بدوره إلى زيادة عدم الاستقرار بالمنطقة.

إن تركيا – وهي منافس مهم بالمنطقة له علاقات متعددة تمتد إلى ما هو أبعد من بلاد الشام – لا تتردد في استعراض قوتها. ولا بد وأن تعترف الدول العربية – في علاقتها مع تركيا – بأنها فاعل إقليمي.. ذو ثقل ومصالح مشروعة، وأن تعمل – في الوقت نفسه – على احتواء التطلعات التركية للهيمنة.

إن إيران تمر بمرحلة انتقالية.. مع رئيس جديد، وزعيم أعلى متقدم في السن؛ وهو ما يقدم سبباً جدياً لإعادة المعايرة. وسوف يكون دونالد ترامب.. الحازم، ولكن غير المشجع للحرب، إلى جانب اهتمام نتنياهو الشديد بإدامة التوترات مع إيران.. عاملين أساسيين في هذه المعايرة. وقد تكون المشاركة العربية – المدروسة والمحسوبة – مفيدة. فعلى أقل تقدير، ستمنع تلك المشاركة المفاجآت غير السارة، التي قد تكون لها عواقب على منطقة الخليج وغيرها.

المشهد الدولي: على المستوى الدولي، سيُطلب من العالم العربي.. بشكل متزايد، أن يختار ما بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى (خاصة الصين). وفي حين جعلت إدارة بايدن التعاون بين الولايات المتحدة وغيرها من الدول.. مشروطاً باحتواء العلاقات بين تلك الدول وكل من روسيا والصين، سيركز ترامب في الغالب على الصين؛ حيث إنها أكبر شريك تجاري للعديد من الدول في العالم العربي، وخاصة في منطقة الخليج، بالرغم من انخفاض واردات الصين من الطاقة. وقد يكون لعب القوى العظمى ضد بعضها بعضاً.. مكلفاً، ولكن الرضوخ لاعتباراتها وتهديداتها، سيكون أكثر كلفة.

التحديات المستقبلية:

في عام 2025، يحتاج العرب إلى معالجة عدد من القضايا العامة والإقليمية.. مما يستوجب التفكير الجاد لضمان تأكيد «الهوية السياسية» للعالم العربي. ولكن مع كون نحو 65٪ من سكان العالم العربي تحت سن الثلاثين، يبدو العرب ممزقين بين وجهتين متعارضتين: الاعتقاد غير الدقيق بأن العالم العربي كان ولابد أن يكون دائماً موحداً، وجيل لم يشهد قط قواسم إقليمية مشتركة، ويركز على الهوية الوطنية والمصلحة الذاتية الفردية. ولكن ينبغي ألا يكون الاختيار بين هذين الاتجاهين الاصطناعيين والمدمرين. فبدلاً من ذلك، من الأفضل التصدي للقضايا العامة والإقليمية.. من خلال زيادة التفاعل الاجتماعي والاقتصادي، وإقامة جسور للعلاقات بين الحكومات والمجتمعات.

تواجه معظم الدول العربية أوجه قصور تكنولوجية محلية شديدة، حيث إن هذه الدول دائماً ما تستورد التقنيات التكنولوجية من الخارج، ونادراً ما تنتجها بنفسها؛ مما يضعها باستمرار على الطرف القصير من سلسلة القيمة، ويعزز الاعتماد غير الصحي على الآخرين. وتمتد هذه المشكلة إلى كل من الصناعات العسكرية والمدنية على حد سواء، وخاصة في مجال التكنولوجيات الذكية.

لقد حذرت مراراً وتكراراً.. من مشكلات ندرة المياه بالمنطقة، وبخاصة في العالم العربي. إن الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية والهيمنة السياسية الإقليمية، والتي تسيطر عليها – في الغالب – دول غير عربية ودول غنية بالمياه، ستؤدي إلى تفاقم هذه المشكلات. وإضافة إلى ذلك، فإن تداعيات تغير المناخ على الشرق الأوسط.. ستكون أكثر حدّة منها على المناطق الأخرى؛ مما ستنتج عنه أيضاً زيادة انعدام الأمن الغذائي.

وأخيراً، فمن الضروري أن يطرح العرب رؤى للهياكل الأمنية الإقليمية المستقبلية. وينبغي لهذه الرؤى أن تتضمن مجموعة متفقاً عليها.. من المبادئ والآليات، لمواجهة التهديدات الوشيكة والوقوف ضدها، فضلاً عن حل النزاعات الجارية.

* وزير الخارجية الأسبق

■ يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبي

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.