Times of Egypt

«الأطلسي» والإقليم

Mohamed Bosila
سمير مرقص 

سمير مرقص..
خصص التقرير السنوي: أوضاع العالم؛ الذي يقوم بتحريره العالم السياسي الفرنسي برتران بادي، موضوعات تقرير سنة 2021 لمقاربة: الشرق الأوسط والعالم؛ فيذلك التقرير.. تناول أكثر من موضوع.. كيف يقارب الحلف الغربي الأطلسي الأمريكي الأوروبي: الحكومات والمؤسسات القارية؛ المسألة الشرق أوسطية، والصراع العربي-الإسرائيلي.
خلصت تلك الموضوعات، إجمالاً- وحسب ما أشرنا في دراسة قمنا بها، في أعقاب حرب غزة في السابع من أكتوبر 2023 وتمثل جانباً من مقدمة الطبعة المزيدة والمنقحة الجديدة لكتابنا: الحماية والعقاب: الشرق الأوسط والغرب والمسألة الدينية-إلى أن الانحياز لإسرائيل كان«سافراً». كما كيف كان هناك دأب إسرائيلي تاريخي..عبر «الضغط» الرسمي الحكومي من جانب، والمدني من جانب آخر.. من أجل التأثير على القرار في العواصم الغربية الأطلسية الأمريكية والأوروبية.
هذا الدأب الذي شهدنا ثماره تتجلى في النهاية، بمواقف غير عادلة أو منصفة.. حيال المسألة الفلسطينية؛ بما تضم من ملفات عالقة. بالطبع، هناك استثناءات أوروبية.. حاولت التمسك بالموقف الأوروبي، الذي أصر على التمسك بمقررات الشرعية الأوروبية، ومرجعية قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.. اللذين يلزمان إسرائيل بالعودة إلى حدود ما قبل حرب 1967، كذلك لحل الدولتين، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين المستقلة.
في ضوء ما سبق، نشير إلى الكتاب الصادر حديثاً للمؤرخ اليهودي- ذي الأصول الألمانية – إيلان بابيه (71 عاماً): الضغط من أجل الصهيونية على جانبي الأطلسيLobbying For Zionism of the Both Sides of The Atlantic؛ (550 صفحة ـ 2024)، الذي يوضح تفصيلاً.. أسباب نجاح الضغط الإسرائيلي على الأطلسي بجانبيه. وقبل استعراض بعض مما تضمّنه الكتاب، نلقي الضوء على أهمية الرجل العلمية والسياسية. يعمل «بابيه» أستاذًا بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة اكستر البريطانية. وقد شغل منصب مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بالجامعة. وتُعد أعماله شديدة الأهمية.. لما تتسم به من موسوعية وغزارة المعلومات الموثقة؛ نظراً لأنه أعاد فيها كتابة التاريخ الإسرائيلي، وتاريخ الصهيونية، كاشفاً عن الوجه الدموي والاستعماري/الاستيطاني/الاحتلالي للكيان الإسرائيلي.
لذا يُصنَّف بابيه، كأحد أهم المؤرخين فيما يُعرف: بمدرسة المؤرخين الجدد؛ وهي المدرسة التي تأسست في الكيان الإسرائيلي.. بهدف المراجعة الشاملة للرواية الأكاديمية الإسرائيلية للصراع العربي الصهيوني؛ تلك الرواية التي تُسقط أي حق للفلسطينيين في أرضهم، وتخفي تماماً أية تفاصيل حول: أولاً: العلاقة بين الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني، والهدف من غرس الكيان الصهيوني في المنطقة، وثانياً: دور التشكيلات العصابية.. في تخطيط وتنفيذ العمليات الوحشية المتتالية ضد الفلسطينيين.. منذ وعد بلفور في 1917 وحتى النكبة في 1948، ومن ثم الإخفاء التام لعملية «التهجير القسري» Transfer الممنهجة، التي مورست لإجلاء الفلسطينيين من أرضهم، وكل عمليات الإبادة اللاحقة، ومحاولات تذويب القضية الفلسطينية.
وفي هذا المقام، أنجز «إيلان بابيه» الأعمال التالية: أطروحته للدكتوراه – التي قدمها لجامعة أوكسفورد عام 1984 – المعنونة: «بريطانيا والصراع العربي الإسرائيلي 1948 ــ 1951» التي نشرت في 1988. وبعدها توالت مؤلفاته المعتبرة مثل: «صنع الصراع العربي-الإسرائيلي 1992»، «الشرق الأوسط الحديث ــ 2005»، «التطهير العرقي لفلسطين ـ 2006»، «فصل الشعوب: إسرائيل، وجنوب إفريقيا ومسألة الفصل العنصري 2010»، «الفلسطينيون المنسيون -2011»، «عشر أساطير حول إسرائيل -2017»، «قاموس تاريخي لفلسطين ـ 2022»…
وعن غزة تحديداً، فله كتاب مشترك مع الفيلسوف الأمريكي «نعوم تشومسكي» (95 عاماً) بعنوان: «غزة في أزمة ــ 2011» وقد طبع منه طبعات عدة.كما خصّها، والضفة الغربية، بكتاب آخر سنة 2017 عنوانه: «أكبر سجن على الأرض»، الذي كان له صدى كبير في الأطلسي بجانبيه.
يواصل «إيلان بابيه» – في كتابه الأخير – جهوده العلمية المعتبرة، في محاولة الكشف عن الدور التاريخي «اللوبي» الصهيوني.. للاستحواذ على الدعم الأطلسي: سياسيا، واقتصاديا، وتكنولوجيا، وعسكريا. يتناول بابيه – عبر فصول الكتاب – الموضوعات التالية.. وفق ترتيب تاريخي: أولاً: الضغط من أجل وعد بلفور، ثانياً: الطريق إلى وعد بلفور، ثالثاً: الضغط البريطاني من أجل تأسيس الكيان، رابعاً: الضغط الصهيوني المبكر في الولايات المتحدة الأمريكية، خامساً: الصهاينة الأمريكيون والهولوكوست، سادساً: الضغط من أجل إسرائيل فيبريطانيا ما بعد الحرب، سابعاً: الضغط من أجل إسرائيل في القرن العشرين الأمريكي، ثامناً: الضغط من أجل إسرائيل في القرن الحادي والعشرين الأمريكي، تاسعاً: الحرب ضد المجتمع المدني الأمريكي، عاشراً: الضغط من أجل إسرائيل في القرن الواحد والعشرين البريطاني، ويختم المؤرخ الكتاب برؤية مستقبلية في ضوء حرب السابع من أكتوبر.
أصّل المؤلف للأهمية التاريخية لدور «اللوبيات» الصهيونية.. في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكيف استطاعت جماعات الضغط الصهيونية – على مدى ما يقرب من 150 سنة – أن تؤثر على صناعة القرارات؛ بما يؤمن التخديم الأمثل على المشروع الصهيوني ومشروعاته: «الخرائطية الاستقطاعية التوسعية»، والعمل – بشتى السبل – على جعل عواصم جانبي الأطلسي تتغافل.. عن الممارسات اللاإنسانية، والانتهاكات الوحشية.. التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني، والتي تتناقض مع الشرائع الدينية والقوانين الدولية. وبدقة بالغة، شرح المؤلف كيف تم إدماج اللوبيات الصهيونية في الجسم السياسي والمدني.. لعواصم جانبي الأطلسي؛ كي تكون جزءاً أصيلاً في المجال العام في تلك العواصم. كما رصد كيف تتحور التشكيلات الضاغطة الصهيونية، كي تلائم أي مستجدات.. قد تطرأ في تلك العواصم: سياسية، أو اقتصادية، وتكنولوجية، وتوظيفها لخدمة الأطماع الصهيونية التي لا حدود لها.
ولعل أهم ما أبدعه «بابيه»، هو أن اللوبيات – التي نحن بصددها – تتجاوز الدور المتعارف عليه.. حسب التعريف العلمي المألوف كجماعة ضغط؛ إذ تتماهي- عمليا – مع الدور الذي تمارسه الجماعات الاحتكارية الكبرى.. كالتي تعمل في مجالي السلاح والدواء. وتكرس كل جهدها، من أجل التسويق حصراً للصهيونية، وللسردية الإسرائيلية؛ بوصفها الحقيقة التاريخية المطلقة. وفي سبيل ذلك، يتم الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، والكراهية الفجة للمغايرين. وبالأخير، يراهن «بابيه» على أن الإنسانية ـ يوماً ما ـ سوف تنتفض على هكذا مشروع غير إنساني ولاتاريخي.
نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.