Times of Egypt

«الأطلسيون» والحرب الدائمة 

Mohamed Bosila
سمير مرقص 

سمير مرقص 

انتهت مؤخراً قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) – التي عُقدت بمدينة لاهاي الهولندية يومَي 23 و24 يونيو – بإجماع الدول الأعضاء في الحلف.. على زيادة إنفاقها العسكري السنوي بنسبة 5%، وهي النسبة التي تم التوافق على أنها.. تحافظ على القدرات الدفاعية للحلف، في مواجهة ما يهدده؛ خاصةً التهديد الروسي المتزايد.. حسب ما ورد في الاجتماع؛ ما عدَّه ترامب انتصاراً رائعاً لدول الحلف العتيد. 

ويشار في هذا المقام، إلى أن توجه «الأطلسيين» إلى زيادة حجم الإنفاق العسكري – ابتكاراً وإنتاجاً – بنسبة 5%، إنما يعني انحياز الحلف إلى «العسكرة».. أخذاً في الاعتبار أن حجم الإنفاق على التسليح لدول الحلف مجتمعةً لسنة 2024، كان يقترب من التريليون ونصف التريليون دولار.  

ونُذكِّر هنا بما كتبناه قبل أسابيع عن عسكرة أوروبا. وإذا ما أضفنا ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية من ضربات مباشرة على إيران.. بأسلحة – غايةً في التقدم – تنفرد بها، تطلقها من قواعدها المنتشرة في أرجاء المعمورة، فإننا نجد أنفسنا أمام لحظة تاريخية.. تتسم بالعسكرة. وقد رأينا كيف دفعت هذه العسكرة إلى اشتعال أكثر من حرب.. في العديد من المواقع في العالم. وأنها ـ يقيناً ـ سوف تدفع إلى الحرب مستقبلاً في مواقع أخرى، ومجدداً.. في مواضع كنا نعتقد أن الحرب توقفت فيها. 

ويبدو لي أن ما أجمع عليه «الأطلسيون» في اجتماعهم الأخير، يمكن اعتباره إعادة إحياء للمبدأ التاريخي – الذي تأسس وفقه الحلف سنة 1949 – القائل: «الواحد للكل، والكل للواحد». ورد هذا المبدأ في الوثيقة التأسيسية لحلف شمال الأطلسي، وكان مقصوداً به تحالف دول المعسكر الغربي الرأسمالي الأطلسي – وتعبئة مواردها – في مواجهة المعسكر الشرقي الاشتراكي. وها هو اليوم يتم تجديد العمل به.. لمواجهة الأقطاب/القوى البازغة، التي باتت تتنافس مع دول الحلف.. على تقاسم العالم جيو-سياسياً، من أجل الهيمنة على الثروات والموارد.  

كذلك جرى تفعيل ما ورد في الفقرة 13.. من وثيقة «المفهوم الاستراتيجي» Strategic Concept؛ التي صدرت في يونيو 2022 – عشية احتفاله بيوبيله الماسي (الذكرى الـ 75 لتأسيسه) – التي تنص على خطورة «التحدي الذي تمثله الصين (وروسيا التي ورد ذكرها في هذا السياق، في أكثر من موضع لاحق، ومن خلال الأحاديث الشفاهية لقيادات الحلف) لمصالح وأمن وقيم دول حلف الأطلسي، وذلك من خلال الوجود المادي: الاقتصادي، والعسكري، والسياسي، في كثير من الدول والمناطق الحيوية في العالم؛ بغرض السيطرة (حسب الوثيقة وإن كنت أميل إلى استخدام كلمة الاحتكار) على القطاعات التكنولوجية والصناعية والبنية التحتية الحيوية والمواد الاستراتيجية وسلاسل التوريد». ذلك لأن فوز هذه القوى بالسيطرة (الاحتكار) سوف يؤدي إلى «تدمير subvert.. القواعد التي يقوم عليها النظام الدولي الراهن». وقد علقنا عليها في حينها بقولنا: إننا بصدد سياق دولي جديد، يحل فيه: «الصدام الإمبريالي».. محل «الصراع الأيديولوجي». 

وبالرغم من أن هناك اختلافاً نوعياً.. بين الصراع الأيديولوجي الذي عرفه السياق الدولي عقب الحرب العالمية الثانية، وبين الصدام الإمبريالي الدائر اليوم، فإن الأهداف النهائية لكل من الصراع والصدام واحدة؛ ألا وهي: إحكام السيطرة الاقتصادية على السياقات الجيو-سياسية المختلفة، واحتكار الثروات والموارد الطاقوية والمعدنية، والتكنولوجيا الرقمية.. بقطاعاتها المختلفة. ولا تختلف كثيراً «الهندسات» التي تمارسها إمبرياليات هذا العصر، عن تلك الهندسات التي مارستها الإمبرياليات التاريخية قديماً.  

وإذا ما رجعنا إلى دليل أكسفورد للاقتصاد الإمبريالي Oxford Handbook of Economic Imperialism؛ (700 صفحة ــ 2022)، سوف يتأكد لنا كيف أن الحصاد النهائي لكل من الإمبرياليات التاريخية والمعاصرة على السواء، قد أسهم ويسهم في تعميق فجوة اللامساواة التاريخية بين القلة الثرواتية (الأوليجاركية).. المحركة لإمبرياليات المركز.. (الغربية-الأطلسية) من جهة، و(الإمبراطورية-الشرقية).. من جهة أخرى، وبين الكثرة المواطنية في العالم. وذلك داخل البلد الواحد؛أخذاً في الاعتبار.. أن دول المركز الغنية غير مستثناة؛ فيما بين الدول بعضها البعض. 

ولا غرابة أن يواكب تلك اللامساواة التاريخية.. الظواهر المزمنة/المحتقنة التالية؛ الفقر الشديد، والجوع، والبطالة، والديون، وانتهاك وإنهاك للبيئة وللمناخ، وتجدد السلب والاستغلال للبشر.. فيما بات يعرف بـ «العبودية الجديدة»، وتأجيج للصراع الطبقي. ويضاف إلى ما سبق، أن الإمبرياليات الحالية قد أضافت مثالب.. لم تكن تعرفها الإمبرياليات التاريخية؛ تتعلق بالتسابق على ترقية القدرات النووية، والتهديد بها تكتيكياً واستراتيجياً.. من أجل ردع المنافسين، كذلك دعم الإرهاب العابر للحدود.. لتأمين المصالح، وتأسيس الشركات العسكرية الخاصة.. التي تقوم بالأعمال «القذرة» في أنحاء العالم. ولعل مراجعة نوعية وكم التبادل التجاري اللامتكافئ.. بين الإمبرياليات الحالية ودول العالم، توضح ما آلت إليه أوضاع العالم. 

المفارقة الجديرة بالانتباه، هي أنه في الوقت الذي يتضامن فيه الأطلسيون.. بدعم الإنفاق العسكري، من أجل امتلاك الردع المطلوب تجاه الخصوم، نجد في المقابل تقاعساً – بدرجات متفاوتة – عن الوفاء بالالتزامات الإنسانية، والبيئية/المناخية،…، إلخ؛ التي من شأنها حماية الكوكب ومواطنيه.. من الكثير من الأخطار الكارثية.  

والأخطر، هو وضع العالم على حافة الخطر، يعاني كابوس الإسراع بنهايته. لذا، يعتبر بعض المعلقين.. أن ما خلص إليه لقاء الأطلسي في لاهاي، هو بمثابة إعلان حرب خاصةً – مع تحديد الخصم/الخصوم ضمناً.. الذي/الذين عليهم مجابهته/مجابهتهم.  

ومنم ثم يمثل هذا الإعلان الأطلسي.. وصلاً للحرب، التي ظن العالم أنها توقفت عقب الحرب العالمية الثانية، إلا أن الواقع يؤكد أنها لا تزال ممتدةً إلى اليوم، وإن اختلفت التوجهات (من الأيديولوجي إلى الإمبريالي الصريح) غير أن الأهداف لم تزل هي هي.. دون تغيير.  

إنها حرب ممتدة منذ القدم، ولكن بتجليات مختلفة. حرب صارت دائمةً.. ليس بين أقطاب متعددة، توازن بين مصالح أقطابها.. دون توافق تام في المصالح؛ حسب المستشار الألماني التاريخي الشهير «أوتو فون بسمارك» (1815 ــ 1898)، وإنما بين أعداء.. يعملون على ردع بعضهم البعض.  

إنها حرب سيدفع ثمنها الكثرة المواطنية التي تعاني. 

نقلاً عن «الأهرام« 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *