Times of Egypt

الأرقام والخواطر السياحية

Mohamed Bosila
وجيه وهبة 

وجيه وهبة

منذ بضعة أيام، التقى السيد رئيس مجلس الوزراء المصري ببعض المستثمرين المصريين.. ليستمع إلى آرائهم في شؤون الاستثمار المختلفة. وعبر «يوتيوب» شاهدت اللقاء، واستمعت إلى مختلف الآراء والشكاوى والمقترحات.. من كافة المشاركين في اللقاء.

خطوة محمودة، أبانت عن قدر كبير من الشفافية والصراحة والوضوح من المشاركين، والأمل أن تكون تلك الخطوة معبرة عن توجه وتقليد دوري مستمر.. ليستمع الناس إلى آراء وحقائق وأرقام من المستثمرين وأهل الخبرة مباشرة، وليس فقط لكل ما يُصب في آذانهم.. عبر المسؤولين وإعلام الحكومة. لقد كان لقاءً في غاية الأهمية، على الرغم من زمنه القصير نسبياً، بالنسبة لخطورة ما عُرض فيه بإيجاز؛ من حقائق وأرقام ومقترحات.

من تلك الأرقام الخطيرة.. ذات الدلالة المؤسفة، ما ذكره المدير التنفيذي للبنك الأهلي؛ السيد «محمد الإتربي»، أن – خلال النصف الأول فقط من العام الحالي – هناك ألفان وثلاثمائة وستون شركة (2360) قد انسحبت من «مصر»، وذهبت إلى دولة «الإمارات العربية المتحدة»! رقم مزعج لأي مستثمر مُحتمل، يجعله يفكر مائة مرة، قبل أن يُقدِم على الاستثمار في بلد.. ينسحب منه هذا العدد من الشركات في مجرد ستة أشهر لا غير.

■ أثناء اللقاء، ذكر السيد رئيس الوزراء أن أهم قطاع حالياً هو قطاع السياحة: «نظراً لكونه القطاع الأسرع من حيث العائد من العملة الصعبة.. في وقت قصير جداً».

السياحة إذاً هي «الحل العاجل» – وفقاً لما قاله السيد رئيس الوزراء، ونحن نتفق معه في هذا – فالسياحة تمثل مصدراً رئيسياً من أهم مصادر الدخل بالعملة الصعبة، وتشكل ما يقرب من 12٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

■ وفقاً لمنظمة السياحة العالمية – التابعة للأمم المتحدة (UNWTO) – فإن ترتيب مصر كمقصد سياحي، بالنظر إلى أعداد زائريها في العام الماضي، هو المركز الحادي والعشرون (21)، بعدد زائرين يقترب من 15 مليون زائر (ودخل يقترب من 15 مليار دولار). وهو عدد وترتيب لا يتناسب إطلاقاً مع المكونات الجاذبة التي تحظى بها مصر.. من مناخ معتدل طوال العام تقريباً، وتنوع آثاري مذهل كماً ونوعاً، ومزارات دينية وتنوع بيئي؛ نهر وشواطئ وصحارى، بالإضافة إلى انخفاض سعر العملة المحلية، وغير ذلك من عوامل جاذبة. أين المشكلة إذن؟

■ إذا كنا نسعى جدياً إلى تعظيم دخلنا من «السياحة»، علينا أن نوفر الشروط الأساسية.. المطلوبة لجذب من يأتي إلينا من كافة أنحاء العالم، بمختلف ثقافاتهم. وأول هذه الشروط هو: الحرية الآمنة. الحرية في المجال العام، في الشارع، وليس فقط داخل جدران الفنادق. لا نتدخل في ملبسهم ومأكلهم ومشربهم.. بحجة «مراعاة تقاليدنا وثقافتنا وديننا»، فهم لم يأتوا إلينا لنعلمهم الأدب.

■ من حق السائح أن يجول في جميع الأنحاء.. دون أن يتعرض للتحرش والتنمر والإزعاج والابتزاز، وذلك في ظل حماية قانونية صارمة العقاب، وتوعية سياحية مستمرة.. عبر كل الوسائل الممكنة، توعية لكل من يتعامل مع السائح.. من العاملين الرسميين، قبل عوام الناس.

■ من حق السائح أن يجد بسهولة مشروبه المفضل مع الطعام.. متاحاً في أماكن عديدة – كما كان الأمر في الستينيات من القرن الماضي وما قبلها – ولا يجد صعوبة أثناء تجواله.. في أن يجد مطعماً يقدم له النبيذ مع الطعام، ولا يضطر للذهاب إلى فندق من فنادق الدرجة الأولى. ولمن لا يعلم، فإن النبيذ والبيرة جزء أساسي، لا غِنى عنه.. من مائدة الطعام الأوروبية. مع ملاحظة أن نحو 80٪ من السياحة المصرية ليست سياحة عربية.

■ في ظل بيئة ثقافية طاردة، ومتسلطة على الآخر.. تتحول «السياحة» إلى مجرد «زيارات» قصيرة، وبالتالى إنفاق أقل: حشد للمجموعات من الفندق إلى الموقع السياحي، ثم العودة إلى الفندق. وهذا مفهوم هزيل وقاصر للسياحة.

■ حينما نتكلم عن التطوير العمراني السياحي بالذات، لا يجب أن يغيب رأي «سميح ساويرس» – مبدع مشروع «الجونة» – الذي يجب أن يكون نموذجاً يُحتذى، ونفخر ونتباهى به أمام الآخرين. وبصفة عامة، لا ينبغى أن يغيب عن الكلام عن التنمية السياحية والتطوير العقاري.. مثلث «آل ساويرس»: «نجيب»، «سميح»، «ناصف»، لما لهم من باع وخبرة لا يمكن تجاهلها. لعل المانع خير.

■ إيطاليا هي الأقرب إلى «مصر».. بالنسبة إلى وفرة وتنوع عناصر الجذب السياحي. ونظرة سريعة على بعض الأرقام المتعلقة بالسياحة فيها، ربما تُشعرنا بمدى قصورنا السياحي؛ فإيطاليا تستقبل سنوياً عدداً من السياح يبلغ ما يقرب من ستين مليون سائح، وهو ما يقارب عدد سكانها. أي سائح لكل مواطن. ينفقون نحو ستين مليار دولار. وهكذا، يجب أن يكون طموحنا للمستقبل أكبر كثيراً.. من أن تكون حصتنا من السياحة العالمية (المقدرة بـ 1.2 مليار سائح)، ما يقرب من 15 مليون سائح فقط.

■ لأسباب يطول شرحها، لا يجب التركيز فقط على كل ما هو ضخم و«فاخر».. من المنشآت السياحية. ففي إيطاليا – مثلاً – يبين إحصاء عام 2030 عن عدد الفنادق في «روما» كالآتي:

عدد فنادق الخمسة نجوم: 65 فندقاً. فنادق 4 نجوم: 439 فندقاً. فنادق 3 نجوم: 604 فنادق. فنادق نجمتين: 294 فندقاً. فنادق نجمة واحدة: 175 فندقاً. نُزل سياحية: 79 فندقاً. ونلاحظ فى هذا المجال، التركيز على فنادق الأربع والثلاث نجوم.

■ هناك إحصائيات عالمية تبين أن الشباب، نحو سن الخامسة والثلاثين.. هم أكثر الفئات العمرية عدداً من بين السائحين.

■ منذ نحو ثلاثين عاماً، أثناء حفل عشاء ضم بعض الدبلوماسيين الأجانب فى القاهرة ووزير مصرى للسياحة.. كان قد تم تعيينه وزيراً قبل أيام قليلة من هذا الحفل. فأثناء «الدردشة»، أفصح الوزير عن خطته السياحية التى تعتمد على «سياحة الخمس نجوم» لا على سياحة «حقيبة الظهر backpack» ـ كناية عن السائح الشاب قليل الإنفاق. وهنا انبرت سيدة فاضلة كانت تشغل منصب وزير مفوض بسفارة دولة أوروبية، وقالت: «سيدى الوزير، لقد كنت أنا نفسى واحدة من هؤلاء الشباب.. الذين جاءوا إلى مصر فى الستينيات بحقيبة ظهر. ولأننى سعدت، وتركت تلك الزيارة أثراً إيجابياً فى نفسى، فإننى بعد أن كبرت وزادت مواردى المالية، حرصت على القدوم إلى مصر دائماً، كلما سنحت الفرصة. فأرجوك ألا تستهين يا سيدى الوزير بشباب حقيبة الظهر».

فكان درساً للوزير الراحل.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.