Times of Egypt

استكمال لمقال هدم المقدسات

Mohamed Bosila
أحمد الجمال

أحمد الجمال

تعمى أبصار البعض، وتنطمس بصائرهم، عامدين أو بجهل فاضح عن حقيقة أن التدين البشري، وما يرتبط به من خطاب دعوي، شأنه شأن كل الظواهر المجتمعية، ذات الطابع العقدي أو الفكري الثقافي؛ تزدهر أو تنحط.. لأنها تخضع لما يسمى آليات الازدهار والصعود، ومواكبة التطورات الإيجابية، وإعلاء شأن العقل والعلم وتطبيقاته، كما يخضع لآليات الأفول والتخلف والانحطاط، ومعاداة العقل والعلم وتطبيقاته.

ثم يعمون أيضاً، ويعمهون في جهلهم.. عندما يقرأون الأحداث والوقائع والمسلكيات والعادات والتقاليد، والأفكار التي حدثت ووقعت وسلكت.. ومورست في أزمان مضت قبل قرون طويلة، وتوقفت، حتى في مجتمعاتها.. يقرأونها بمعاييرهم المعاصرة الآن، ويحاكمونها أو يكممونها ويقدمونها.. وفق منظومات قيم بعيدة زمانياً ومكانياً وموضوعياً عنها، ويبالغون في تلك المغالطة.. عند حديثهم أو مناقشتهم لبعض ما جاء في الأديان، أو وقع في مسلكيات بعض الرسل والأنبياء والصحابة، ثم يتجاهلون أن أولئك جميعاً.. بشر، يسري فيهم ما سرى – ويسري – على البشر، في عصورهم وغير عصورهم.

ثم إنهم بعد ذلك كله – وبجهل لا يحدث إلا نادراً في تاريخ الفكر – يعمدون للخلط بين ما هو من قبيل الحقائق النسبية العلمية والفكرية والمجتمعية، وما هو من قبيل المعتقدات الإيمانية المطلقة؛ التي تمتزج فيها عناصر كثيرة تبدو متناقضة؛ كالبشري والملائكي، وكالواقع والغيب، وكالنقلي والعقلي، وهلم جرا… ولكنه عند جمهرة المؤمنين به، لا تناقض فيه، لأنهم يعتبرون أن هناك عقلاً إيمانياً، وذائقة إيمانية، وملكات متفردة.. لدى المؤمنين؛ يستطيع من يحوزها، واستطاع أن ينمو بها في تكوينه.. أن يخرق كل ما يعد عند غير المؤمنين.. من قبيل المستحيل العلمي والفكري والمجتمعي.

وأخيراً، نجد أن عديمي البصر ومنعدمي البصيرة.. يناقضون – وبفجاجة وقحة – ما يعلنون أنهم يؤمنون به ويقدسونه؛ كالحرية المطلقة للاعتقاد والتفكير والسلوك ونمط الحياة. فتراهم لا يكفون عن مصادرة حرية الآخرين.. في الاعتقاد والتفكير والتقديس وما إلى ذلك، دون أن يفكر هؤلاء الآخرون.. في الاعتداء على أحد، أو في التدخل في نمط حياة أحد، وفي معتقداته ومواقفه.

إنني لا أريد أن أنتقل لتفاصيل بعض ما يطرحونه، وهم يتجاوزون النقد إلى السخرية.. من بعض ما جاء في كتب مقدسة عند أصحابها؛ كالقصص القرآني في المصحف، أو ما نُسب إلى رسول الإسلام من مسلكيات.. في زواجه أو طريقة طعامه وغيرهما. وبعضهم يوسع الدائرة، لتتضمن شرائع ورسلاً وأنبياء آخرين، دون أن يجرؤ واحد منهم.. على مناقشة أو نقد مسلكيات ومواقف وأهداف الحركة الصهيونية ودولتها اليهودية؛ ومنها حكاية الأرض الموعودة، والدولة نقية الدين، وحكاية معاداة السامية، والمبالغة في الهولوكوست، ومعاملة الأغيار.. من غير اليهود، وهلم جرا. الأمر الذي يؤكد – بوضوح – أن الأمر متصل بمهمة سياسية محددة، هي باختصار.. أنه من أجل شرق أوسط جديد – وفق المعايير الصهيونية والأمريكية المعلنة – لا بد من استئصال كل القديم.. ابتداء من الجغرافيا السياسية، ليس تلك التي كانت تحت الإمبراطورية العثمانية، بل حتى التي خططها وأقرها وأقامها ورعاها الغرب الأوروبي نفسه.. بعد الحرب العالمية الأولى، وتضمنته اتفاقات سايكس-بيكو وسان ريمو، وليس انتهاء بالتركيبة الديموغرافية والتركيبة العقدية الدينية والتركيبة الثقافية، وأيضاً الإجهاز على المجتمعات التي أقامت حضارات ودولاً راسخة منذ آلاف السنين، وفي مقدمتها مصر بطبيعة الحال.

من هنا، نفهم أن الانقضاض ليس فقط على المعتقد الإسلامي.. لكن أيضاً على المعتقد المسيحي القبطي والأرثوذكسي.. والأرثوذكسية بوجه عام، وعلى المعتقدات الوجدانية الوطنية، ولو من مدخل خبيث؛ هو ما يسمى «مفهوم المخالفة»، أي أنهم يصرون ويبالغون ويرددون – في كل مناسبة ولحظة – على أن الذي أخطأ ووصل لدرجة الخطيئة.. هو صدام حسين، وحزب الله، وحماس والسنوار، وكل ما ينتسب لهذا التوجه المقاوم.

المعنى المقصود، هو وصم كل من تبقت لديه – في تفكيره وأدبياته ومواقفه وكتاباته – أدنى رائحة لحتمية مقاومة الاستعمار الصهيوني العنصري الاستيطاني الاستئصالي التمييزي القاتل البشع، ومقاومة من يساندونه ويدعمونه بالسلاح والتكنولوجيا والمال والمساعدات الاقتصادية، وبالاصطفاف معه بقوة في المحافل الدولية، بل وضرب الحائط بقرارات وأحكام منظمات وجهات دولية؛ كالجمعية العامة للأمم المتحدة، وكمحكمة الجنايات الدولية، ومحكمة العدل الدولية، ومنظمات رعاية اللاجئين ومساعدتهم.. لأن كل ذلك، هو من قبيل المعتقدات الأعلى من الدين والإنسانية، لدى أولئك الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية هدم ثوابتنا الوطنية، وتقويض مكنونات وجداننا المجتمعي الجمعي، الذي يتعايش فيه إيزيس وأوزوريس وحورس، مع سيدتنا العدرا الطاهرة ومار جرجس، ومع سيدنا الحسين وأم هاشم الطاهرة.

بصدق، فإنني لم أكن أود الانجرار للاقتراب من ذلك المستنقع، الذي أثق في القدرة الوجدانية لأمتنا.. على تطهيره وتجفيفه؛ لولا نداءات من كثيرين أحبهم وأحترمهم.. كي أسهم في رد هذا الظلم الجاهل.

لذا، فإن تلك السطور.. تكملة لمقال سابق، كان عنوانه: سؤال لشاشة هدم المقدسات.

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.