عبدالقادر شهيب
قبل شهور، تقدَّم الدكتور حلمي الحديدي باستقالته.. من رئاسة منظمة التضامن الأفرو-آسيوي؛ التي شارك عبدالناصر عام 1957 نهرو وتيتو وسوكارنو في تأسيسها، واستضافتها القاهرة حتى الآن، وتعاقب على رئاستها عدد من الشخصيات المصرية البارزة. وجاءت تلك الاستقالة – التي تمَّت لأسباب صحية – في وقت كانت تمر فيه المنظمة بظروف صعبة؛ حيث كان هناك من يتطلع لمنازعة مصر في رئاستها، بل ونقل مقرها من القاهرة. وكان هناك أيضاً من يرون – داخل مصر – أن هذه المنظمة استنفد وجودها الغرض منه، ولم يعد حريصاً على بقائها على قيد الحياة، وليس فقط إعادة إحيائها وتنشيطها.. لتخدم؛ كما فعلت دوماً السياسة الخارجية المصرية.. طوال تاريخها.
وشاءت الأقدار أن تلقي على عاتقي.. مسؤولية اختيار شخصية سياسية لتتولى رئاسة المنظمة، وذلك بحكم أنني سكرتير اللجنة المصرية للتضامن – أكبر وأقدم لجنة فيها – من بين 63 لجنة أفريقية وآسيوية، وهي المنوط بها.. اختيار من يتولى رئاسة المنظمة.
ونظرًا للظروف الصعبة التي تمر بها المنظمة وفتور نشاطها، ووجود طامحين إلى رئاستها – بعضهم خارج مصر والبعض الآخر داخلها – وضعت – بيني وبين نفسي – معايير ثلاثة مهمة.. يتم على أساسها اختيار الشخصية المناسبة لأن تخلف الدكتور حلمي الحديدي في رئاستها، هي أولاً أن تلقى قبولاً خارج مصر وبين لجانها المختلفة؛ خاصة اللجان النشطة. وثانياً أن تلقى قبولاً داخل مصر، التي تستضيف مقر المنظمة، وظلت تسهم في تمويلها.. حتى ثلاث سنوات مضت. وثالثاً أن تكون تلك الشخصية.. راغبة، وقادرة على تنشيط وتفعيل هذه المنظمة، أو بالأصح إعادة إحيائها مجدداً.
واهتدى تفكيري إلى ترجيح اختيار السفير محمد العرابي – الدبلوماسي القدير ودمث الخلق، ووزير الخارجية الأسبق – ليتولى رئاسة المنظمة.. في مرحلة مهمة تستدعي إعادة إحيائها؛ حيث تتسم هذه المرحلة بتشكل نظام عالمي جديد.. مختلف عن النظام الأحادي القطب، وتحتاج فيه شعوب أفريقيا وآسيا للتضامن فيما بينها..
فإذا كانت تلك المنظمة وُلدت في ظل اندلاع الحرب الباردة.. بعد الحرب العالمية الثانية، فإن عالمنا الآن يعاني من اندلاع حرب تجارية، تصيب دول قارتينا بأضرار بالغة، وتحتاج إلى أن تتضامن فيما بينها.. لحماية مصالحها وأمنها القومي.
وتشاورت مع صديق العمر الدكتور أحمد يوسف – أستاذ علم السياسة، وعضو هيئة مكتب اللجنة – ووافقني في اختياري هذا، وهو ما حدث أيضاً مع أستاذنا محمد فائق – نائب رئيس المنظمة، والرئيس السابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان، ووزير الإعلام الأسبق، والخبير المصري القدير في الشؤون الأفريقية، الذي ارتبط بالعديد من حركات التحرر الوطني في القارة السمراء في عقود مضت – كما تشاورنا أنا والصديق أحمد يوسف كذلك مع أكثر من جهة رسمية.
وبعدها دُعيت لعقد اجتماع مشترك.. لهيئة مكتب اللجنة المصرية للتضامن وسكرتاريتها، لأعرض عليهم اختياري؛ وقد وافقوني عليه، واعتبروه اختياراً موفقاً جداً. وفي ذات الوقت كلفوني برئاسة اللجنة المصرية للتضامن.. ليلقوا على عاتقي بعبء أكبر، لأنها تحتاج – مثل المنظمة – لعملية إحياء وتنشيط وتفعيل واسع.
ولذلك بدأنا بتنظيم جلسات نقاشية، لتقديم رؤية لإحياء حركة التضامن بين شعوب أفريقيا وآسيا – يشاركنا فيها أساتذة سياسة، وخبراء في شؤون أفريقيا وآسيا، وصحفيون وإعلاميون وسياسيون.. من أجيال مختلفة، الشباب وجيل الوسط وجيل كبار السن – كما أننا نتأهب ونستعد لعقد مؤتمر المنظمة بمصر.. للتصديق على الرئيس الجديد للمنظمة، وانتخاب سكرتير جديد لها خلفاً للأستاذ نوري عبدالرازق.. الذي توفاه الله قبل شهور.
ومن المؤكد أننا نحتاج لأكبر دعم لنا من وزارة الخارجية المصرية.. كما فعلت فيما مضى، والتعاون الواسع مع المؤسسات الرسمية المختلفة، وأيضاً منظمات المجتمع المدني؛ فإنَّ مهمتنا ليست سهلة، وتقتضي أوسع مشاركة.. مع من يمدون أيديهم للتعاون في إنقاذ منظمة، راود البعض رغبة في نقل مقرها خارج مصر، وتولي غير مصري رئاستها. وتصوَّر البعض خطأ.. أنها لم يعد لها جدوى الآن، رغم أنها خدمت السياسة الخارجية المصرية طوال سبعة عقود مضت، وفي مقدورها أن تواصل ذلك مستقبلاً.. في عالم يتعرَّض للاضطراب الشديد.
نقلاً عن «أخبار اليوم»