عادل نعمان
.. ولم أكن أتصور أن للآثام والجرائم وجهين؛ وجه حلال، وآخر حرام. وأن الغاية هى التي تحدد موقع الجريمة وصفحتها.. أكانت ممنوعة، أم مشروعة. وأن المتأسلمين وحدهم – وليس غيرهم – يملكون حرية المرور بين التحريم والإباحة، دون تكليف أو ترخيص.
وللأمانة، فأنا لا أقبل كذباً ملوناً؛ ما بين الأبيض والأسود.. حتى لو أقرته الأديان.
ولا أوافق إلا أن تكون السرقة تحت عنوان واحد.. هو الحرام، وأن ارتكابها يِعد جريمة نكراء.. مهما توافر حسن النوايا، حتى لو كانت رداً لمظلمة، أو لبناء مسجد أو كنيسة، أو لإطعام مسكين.
ولست بقانع بأن يكون القتال منهجاً شرعياً.. جائزاً ومقبولاً، يمارسه المؤمنون؛ فيحملون الناس إلى الإيمان جبراً.. دون رضاً أو قناعة، فهو قتل بلا سند، وسبيل بلا سبب، حتى لو كان هذا هو السبيل الوحيد لإقامة الدين، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، «إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه».
وتعال معي نتجول معاً، يصحبنا فكر هذا التيار المخادع والمناور، حول تفسيره للإرهاب.. المحمود شرعاً، والإرهاب.. المذموم شرعاً أيضاً. ولنتابع معاً.. كيف بدأ الإسلام متسامحاً مع من يدعوهم إليه، راضياً مرضياً.. بمن يلحق به، وحليماً.. مع من ينكره ويرفضه. وكيف تحولت الدعوة بالحجة والبرهان والآيات.. إلى قتال من يأباه ويعارضه؛ حتى وصل إلى قتال من بلغته الدعوة.. ولم ينضم أو ينتم إليها، ولو كان في بلاد (واق الواق) ولم يقرأ ولم يعلم، وهذه فتوى شيخ الإسلام «فأصل هذا.. هو جهاد الكفار، فكل من بلغته الدعوة.. فلم يستجب لها، فإنه يجب قتاله (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)»، وما جاء في رسائل حسن البنا.. تأكيد على هذا، «أمر الله المسلمين أن يجاهدوا في الله حق جهاده، بنشر هذه الدعوة بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا وتمردوا فبالسيف والسنان، والناس إذا ظلموا البرهان.. فالحرب أجدى على الدنيا من السلم» .
ولهذا تقوم الجماعات المتطرفة الإرهابية – التي تطلق على نفسها «جهادية» – بقتال المنافقين فى بلاد المسلمين؛ «فإن تعريف المنافقين لديهم.. كل الدول الإسلامية التي لا تقيم شرع الله، ولا تحكم بما أنزل، والتي تنكر معلوماً من الدين بالضرورة، حتى لو كان معلوماً واحداً»، وكذلك قتال أهل الأديان الأخرى «وهم الكافرون». فإن هذا القتال أمر من الله، وتكليف لإعلاء دين الله.. «يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم»؛ فإذا كان المنافقون من المسلمين، وكذلك الكفار من أهل الأديان الأخرى، وجب قتالهم، فإن الحروب يلزم أن تدور رحاها بين الكرة الأرضية كلها.. من ناحية، وهذه الفصائل الجهادية.. من ناحية أخرى، التي تعتبر الجهاد ضد هؤلاء وهؤلاء.. فريضة محمودة، وهي ترى – في نفس الوقت – أن من يدافع عن نفسه منهما، ويرد العدوان.. فإن جهاده مذموم ومكروه.
لكن كيف وصل هؤلاء إلى هذه القناعة وهذا المعتقد.. والتصديق حتى توارثته الأجيال؟
أظن أن تأصيل هذا الجهاد، قد وجد عند الأوائل قبولًا واستحسانًا.. ابتدعوه واختلقوه ولفقوه، ولم يكن في علمهم، أن الأحفاد سيتوارثون هذا المسار.. على أنه دين ومنهج شرعي معتبر، بأكثر من كونه منهاجًا لأمم وإمبراطوريات.. لازمتهم في زمانهم؛ غزت العالم وحكمته. وقد وجب على الإمبراطورية العربية وقتها – حفاظًا على وجودها – أن تحذو حذوهم، وتقتدي بهم وتحاكيهم.. في الغزو والاحتلال، ليس أكثر؛ خصوصًا أنها كانت تملك أدوات القوة والغلبة من ناحية، والتأصيل الشرعي المزعوم.. الذي شب وبلغ، وفتحوا له الأبواب من ناحية أخرى. فهو يوحد جهودهم، ويحفزهم على القتال، ويحرضهم في الدنيا والآخرة.
وقد كانت حروب مانعي الزكاة.. بداية التأصيل والتشريع، وتديين هذا النشاط الجهادي. وكما قال الشيخ يوسف القرضاوي (لو تركوا الردة ما كان هناك إسلام، وإن الوقوف أمام الردة أبقى على الإسلام)، فلما خرجت الجيوش من المدينة.. لتأديب الحركات الانفصالية عن الدولة، وأدت مهمتها، وأعادت من خرج إلى سلطان الدولة.. وجدت نفسها في تخوم إمبراطوريات الروم البيزنطيين والفرس والساسانيين. وقد كان الخيار، أن تنتشر هذه الجيوش، وتفتح وتغزو هذه الإمبراطوريات، وتعود بالأسلاب والأغنام.
وقد ظهر الخلاف بينهم وبين أنصار الجهاد المحمود.. في أن كل آيات القتال والجهاد وآيات السيف، كانت خاصة بالفترة النبوية فقط، والمقاتلين هم الصحابة فقط، والمشركين هم مشركو عصره.. لا يمتد الحكم لغير زمانه ومكانه. إلا أن ضعف الإمبراطوريات المتاخمة للجزيرة وما كان عليه حال العرب من فقر وحاجة، وما يحلمون به من ثراء.. كان حافزاً – ومشجعاً – للبحث عن شرعية لهذا الجهاد، واحتلال بلاد الغير، واستلاب ما كان فى أيديهم؛ فحملوا هذا على ذاك حتى توارثه الأجيال، وأتصور هذا ليس أكثر.
(الدولة المدنية هي الحل).
نقلاً عن «المصري اليوم»