Times of Egypt

أيرلندا شقيقة فلسطين!  

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام  

«يستلقي في زنزانة بسجن بريطاني. بطانية تلتف حول عقله. هناك ضوء بعيد قادم من فلسطين».. هذه كلمات من أغنية لفرقة موسيقية أيرلندية، تتحدث عن نشطاء الحقوق المدنية الأيرلنديين.. في السجون البريطانية في السبعينيات، والمناضلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية حاليًا. ليس الفن الأيرلندي فقط.. الذي يدعم الفلسطينيين؛ بل السياسيون والأدباء والنشطاء، والأهم.. الناس العاديون.  

فلسطين بالنسبة لهم.. تذكير أليم بما عاناه أجدادهم، تحت نير الاستعمار البريطاني. 

بعد إغلاق إسرائيل سفارتها في أيرلندا.. احتجاجًا على قرارها دعم التماس في محكمة العدل الدولية، يتهم تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية في غزة، أكد رئيس الوزراء الأيرلندي سايمون هاريس.. أن بلاده لن تسكت على الجرائم في غزة.  

وردًّا على تصريح نتنياهو.. بأن أفعال أيرلندا مستهجنة، قال: «قتل الأطفال.. هو المستهجن. أعداد القتلى الفلسطينيين الهائلة.. مستهجن. ترك الناس تتضور جوعًا.. مستهجن. فخورون للغاية، أن أيرلندا تتحدث نيابة عن الفلسطينيين الأبرياء». 

لماذا تمثل أيرلندا الاستثناء الأوروبي.. الذي يقف هذا الموقف الحاسم ضد الهمجية الإسرائيلية؟ الأيرلنديون يشعرون جميعًا – كما يقول سياسي بارز – بالاشمئزاز من أفعال إسرائيل ضد الفلسطينيين. 

ما يميز أيرلندا، أنها كانت مستعمرة بريطانية، في وقتٍ لم تخضع فيه دولة أوروبية للاستعمار، بل كان بعضها يستعمر دولًا أخرى.. خارج القارة البيضاء. في 1921، منحت بريطانيا أيرلندا استقلالها، لكنها سلخت منها أيرلندا الشمالية التي ظلت تحت حكم التاج البريطاني. إنه نفس التقسيم الذي حدث فيما بعد في فلسطين. التشابه لا يقف عند ذلك. آرثر بلفور، رئيس الوزراء البريطاني، صاحب وعد بلفور (1917).. الذي تتعهد فيه لندن بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، كان وزيرًا لشؤون أيرلندا في الحكومة البريطانية.. في ثمانينيات القرن الـ19، وهو الذي أمر الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين الأيرلنديين، لدرجة أن لقبه هناك «بلفور الدموي». 

عندما يرى الأيرلنديون مدنيين فلسطينيين.. يتعرضون للقتل في غزة والضفة الغربية المحتلة، يتذكرون عقد السبعينيات، عندما قتلت الشرطة البريطانية متظاهرين سلميين.. يطالبون بحقوقهم في مدينة ديري بأيرلندا الشمالية؛ فيما عُرف بـ«الأحد الدامي». كثير من الأيرلنديين ينظرون إلى إسرائيل.. باعتبارها مشروعًا استعماريًّا غربيًّا، تمامًا كما كانت أيرلندا.. أول مشروع استيطاني أوروبي.  

بريطانيا قامت بتوطين بريطانيين بروتستانت.. في شمال جزيرة أيرلندا الكاثوليكية، ثم سلخت منها 6 مقاطعات، وضمتها إليها عام 1921.  

المفارقة.. أن الأيرلنديين – في بداية القرن العشرين – تعاطفوا مع اليهود، واعتبروهم ضحايا للتمييز والعنصرية بأوروبا، وأيدوا منحهم مكانًا آمنًا لإقامة وطنهم.  

إلا أنه بعد احتلال إسرائيل مزيدًا من الأراضي العربية، انقلب الرأي العام الأيرلندي.. ضد هذا الاستعمار الجديد. وبعد أن كان الجيش الجمهوري الأيرلندي – الذي حارب البريطانيين – يقيم علاقات جيدة مع الجماعات اليهودية، حدث تحوُّل في موقفه، وارتبط جناحه السياسي «شين فين» بعلاقات تحالف مع منظمة التحرير في السبعينيات والثمانينيات. 

لكن أيرلندا كتبت تاريخًا جديدًا في علاقتها مع فلسطين.. منذ 7 أكتوبر 2023.  

أدانت حكومتها هجمات حماس على إسرائيل، إلا أن الوحشية الإسرائيلية.. جعلت الأصوات تتعالى – بعد 3 أسابيع فقط من بدء العدوان – مطالبة بطرد السفير الإسرائيلي. وضغطت أيرلندا.. العضو في الاتحاد الأوروبي، لصياغة موقف أوروبي موحد أقوى ضد إسرائيل. رئيس الوزراء آنذاك، ليو فارادكار، قال «إن مصداقية أوروبا تحت الاختبار أمام العالم، بسبب المعايير المزدوجة التي تمارسها». وأكد أن «ما تقوم بها إسرائيل ليس دفاعًا عن النفس، بل هو أقرب إلى الانتقام». ولم تتوقف الدبلوماسية الأيرلندية عن المطالبة بوقف العدوان، والتوقف عن قتل المدنيين، ووجوب توصيل المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى غزة. 

بالطبع، اعتبرت إسرائيل أن أيرلندا تجاوزت كل الحدود. وزير الخارجية، جدعون ساعر.. ردد التهمة الجاهزة، واتهم السياسيين الأيرلنديين – وعلى رأسهم رئيس الوزراء، «هاريس» – بمعاداة السامية، الأمر الذي دعاه إلى الرد قائلًا: «لن أعلق على التهجمات الشخصية الكاذبة».  

مارك ريجيف، السفير الإسرائيلي السابق، ادّعى أن: «الناس في أيرلندا ينظرون إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.. من خلال عدسة مشوهة.. تصور إسرائيل قوة استعمارية».  

الحقيقة، أن الشعب الأيرلندي.. يكاد يكون الشعب الأوروبي الوحيد، الذي فهم إسرائيل بشكل صحيح، لأنه أدرك أنها مشروع استعماري استيطاني.. يستهدف استئصال الفلسطينيين من وطنهم وأرضهم، وإحلال اليهود محلهم، تمامًا كما فعلت بريطانيا في أيرلندا.  

أيرلنديون عاديون يشرحون موقفهم.. قائلين: «نحن نعرف كل شيء. لقد مررنا بذلك التاريخ، وتلك الطريق من قبل. نحن مثل فلسطين وجنوب أفريقيا».  

… إنهم شعب أوروبي أبيض، لكنهم يتماثلون أكثر.. مع تجارب جنوب العالم المريرة في الاستعمار والإمبريالية. تحيا أيرلندا. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.