عبدالله عبدالسلام..
في فيلم «نعم يا رجُل».. بطولة النجم الكوميدي الشهير جيم كاري – والذي جرى إنتاجه عام 2008 – يتعرض البطل لمشاكل عديدة. ينصحه زميل له أن يقول «نعم» لكل شيء.. ومع ذلك، يقع في أزمات لا حصر لها. هناك مَن يرى أنه لكي تمضي بنا الحياة، علينا أن نوافق على ما يطلبه منّا الآخرون. لكن علماء نفس.. يؤكدون خطأ ذلك. يتعين علينا – في أوقات معينة – مواجهة سلوك سيئ، وعلاقات غير صحية. عندها تكون «لا» أفضل صديق. عندما نريد القضاء على شيء ما في مهده، ووضع حدود معينة، فلا بديل عن قولها.
بشكل غريزي، يريد معظمنا أن يقولوا «نعم»؛ خاصة إذا طلب منّا أحد.. مساعدة أو معروفاً. كما أننا – كي نريح أنفسنا، ونبتعد عن المشاكل، ورغبة في ألا نُخيب آمال الناس فينا – تكون «نعم» دليلنا في الحياة. إنها الشيء المهذب.. الذي يجب القيام به. نريد أن يأخذ الناس انطباعاً عنّا.. أننا لطفاء ومتعاونون. المشكلة، أن إجبار أنفسنا على القيام بأشياء تستهدف فقط.. إرضاء الآخرين، يخلق المزيد من المشاكل. لا عيب أن أعمل جاهداً على أن أكون مقبولاً عند الناس، لكن ليس على حساب راحتي النفسية، ومصلحتي أيضاً. في بعض الأحيان، قد يكون ضرورياً أن ننطق بكلمة لا – أو نقول، على الأقل – ليس الآن.
رجل الأعمال الأمريكي البارز.. وارين بافيت، يعتقد أن الفرق بين الناجحين بشكل عادي، والذين يحققون نجاحاً استثنائياً، أن الأخيرين يقولون لا.. كثيراً. إنهم يتمردون على الواقع غير المريح أو المناسب. يريدون تغييره، فيصطدمون بالآخرين.
أعظم العقول البشرية.. حققت إنجازات خلدها الزمن، لأنها خرجت عن المألوف، ولم توافق القطيع على كل شيء. لو قلنا نعم دائماً، فلن يتغير العالم، وسنظل في نفس المربع. قد نشعر ببعض الذنب، لأننا خالفنا مَن حولنا، لكن هل الأفضل أن نفعل ما نعتقد أنه صحيح، أم نوافق على القيام بأشياء ليس لدينا الوقت – أو الطاقة أو المال – للقيام بها، وقد يتسبب فعلها في مشاكل أخرى؟
علينا أن نقبل.. بأن إرضاء الجميع غاية لن تُدرك، ومن الضروري وضع قواعد وحدود.. لعلاقاتنا بالآخرين، لتكون استجاباتنا على قدر احترام تلك القواعد.
تربينا جميعاً على مبادئ.. تؤكد أن نعم هي الأصل، وأن لا.. كلمة شاذة أو غير مرغوبة؛ خاصة في علاقاتنا بالآخرين. الطفل المؤدب المحبوب، هو الذي يستجيب للأوامر.. ويقول نعم. المفارقة أننا حالياً – كآباء وأمهات – نقول نعم لكل ما يطلبه منّا أبناؤنا. بيكي كينيدي – عالِمة نفس الطفل بجامعة كولومبيا الأمريكية – نشرت مؤخراً دراسة بعنوان: «كيف أقول لا لأطفالي؟». تقول: «معظم الآباء والأمهات يفعلون أي شيء.. لجعل أطفالهم سعداء، لكن في بعض الأحيان.. لا يمكنك منحهم كل ما يريدون. قول لا.. وسيلة مهمة لإظهار أننا نحبهم». نستجيب لأطفالنا كثيراً لإسكاتهم أو تجنب غضبهم، لكن ذلك يُلحق الضرر بهم على المدى الطويل. الاستسلام بسهولة لطلباتهم.. يضر – دون قصد – بمنظومة القيم التي تساعد الأطفال.. على تعلم السلوك المناسب والمحترم.
عندما ترفض طلباً غير معقول.. من ابنك، فأنت تساعده على التعامل مع خيبة الأمل، وتُعلمه أن الحياة ليست دائماً.. طوع أمره، كما تُعوده على الصبر. الأبحاث العلمية تشير إلى أن الأطفال.. الذين يفتقرون إلى هذه السمات، قد يواجهون صعوبة في تطوير الطموح، والحافز لكي يكونوا سعداء في المستقبل. أحياناً يطلب الأبناء من أولياء أمورهم.. فعل أشياء يمكنهم القيام بها بمفردهم. ليس في ذلك عيب، لكن من الضروري.. أن يتعلموا الاعتماد على أنفسهم، وأن ينبذوا الكسل والتراخي.
تحمُّل المسؤولية، يأتي من خلال الممارسة. تقول كينيدي: إن من المهم.. أن تشرح لطفلك أنه لا يمكنه الحصول على تليفون محمول جديد. قد يغضب، لكنه لن يكرهك. في بعض الأحيان، يكون الرفض أفضل ما يمكن القيام به. أبحاث التربية، تؤكد أن العلاقة الأكثر فائدة.. بينك وبين طفلك، هي تلك التي تكون مزيجاً من الدفء ووضع الحدود؛ أي أنها يجب ألا تسير على وتيرة واحدة. أحيانًا تكون هناك تلبية لمطالبهم، وأحيانًا رفض. هذا الأسلوب، يساعد على تعليم الأبناء.. مهارات حياتية مهمة، وبناء الثقة معهم، وإنضاج عواطفهم.
لا.. كلمة وقعُها غريب على الأذن. ليست ممتعة، أو مُحببة للسمع.. كما الحال مع نعم. لكن أحياناً لا يكون لدينا بديل عنها؛ سواء خلال عملنا، أو تعاملاتنا اليومية، أو علاقتنا مع أطفالنا.
لا.. ليست جريمة، حتى لو اعتقد البعض ذلك.
نقلاً عن «المصري اليوم»