Times of Egypt

أمريكا العالم القديم

Mohamed Bosila
وجيه وهبة 


وجيه وهبة

■ منذ السقوط الرسمي للعاصمة السورية «دمشق».. في يد تحالف التطرف الإسلامي، تكالبت وسائل الإعلام على استضافة المحللين والمعلقين على الأحداث.. من كل حدب وصوب، ويُقدَّم الكثيرون منهم للمشاهدين.. بوصفهم خبراء سياسيين و«مفكرين استراتيجيين».
وبمتابعة هذا الكم من «التفكير الاستراتيجي»، لن تجد فارقاً مميزاً بين «مفكر استراتيجي» وآخر. لن تجد تحليلاً جديداً لما يجري، لن تجد فكرة أو عبارة لامعة، كلهم يرددون نفس الأقوال المحفوظة.. نفس العبارات الموروثة، جميعهم يحذروننا من: «مؤامرة خارجية لتقسيم الوطن العربي»؛ «سايكس- بيكو» جديدة.. «بدء تنفيذ المشروع الصهيوني؛ من النيل إلى الفرات».. «الدور على مصر».. «تقسيم مصر».. «مصر هي الجائزة الكبرى»… إلخ.
■ أما عن الاتفاق بين إنجلترا وفرنسا الشهير؛ «سايكس- بيكو»، فقد كان متعلقاً بوراثة مستعمرات دولة الخلافة العثمانية، وتقسيمها بينهما، وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.. وهزيمة العثمانيين. ولم يكن الموروث في المشرق العربي -على سبيل المثال- سوى وحدات إدارية.. تسمى «ولايات» أو «قضاءات»، مثل «ولاية حلب».. «ولاية الشام» (دمشق).. أو قضاء «الموصل».. «قضاء البصرة»… إلخ.
إذن، «سايكس- بيكو» لم «تُقسِّم» دولًا، بل وحَّدت الفتات العثماني.. لتصنع منه وحدات سياسية أكبر؛ «دولاً». وعلى سبيل المثال أيضاً، فإن دولة «العراق» اليوم.. ما هي إلا نتيجة لضم ثلاث مناطق معًا، هي «الموصل» و«بغداد» و«البصرة»، في وحدة سياسية واحدة، رسمت حدودها بقلمها؛ «جيرترود بل»، وهي عالِمة آثار ورحالة إنجليزية، خبيرة ببلاد «ما بين النهرين».
■ لقد ورث الاستعمار الغربي.. مستعمرات الاستعمار التركي، ولا يبدو أن الأمور اليوم تتجه نحو «سايكس- بيكو».. كما يدعون، وإنما إلى عودة لما كانت عليه أقاليم الشرق، من المحيط الأطلسي إلى الخليج «الفارسي» – عدا مصر- عودة إلى ما قبل «سايكس- بيكو».. من تفتت إقليمي، ووحدات إثنية وطائفية صغيرة.
■ «مصر» تستنكر بوضوح.. العربدة الإسرائيلية الوحشية في «غزة»، والتوسع الاستيطاني الوضيع الممجوج.. في «الضفة الغربية». أما عن مشعلي الحرائق، من أصحاب الخطاب الديماجوجي «الملتهب»، ممن يحرضون على دفع الأمور نحو المواجهة المسلحة والحرب، فنقول لهم بكل وضوح.. إن «إسرائيل» قد التزمت عبر ما يقرب من خمسة عقود باتفاقية السلام الموقعة مع «مصر» منذ عام 1979. ولنتصارح ونقر، ونبين للناس.. أن العدو الحقيقي للمصريين – العاجل والآجل – هو مَن سفك دماء أبناء «مصر» غدراً.. عبر تلك العقود الأخيرة؛ المتطرفون الإرهابيون.. ممن ينتسبون إلى الإسلام السياسي السلطوي، بكل مسمياته وفروعه المحلية والإقليمية والعالمية، من «إخوان» و«سلفيين»، «قاعدة» و«نُصرة»، و«حماس الإخوانية»… إلخ.
■ لا نظن أن «الغرب الشرير».. يرغب في تفتيت «مصر»، ولا أن تفتيت مصر.. في صالح «إسرائيل»، فتسعد به. لن يسعد أحد بجوار دولة.. يتولى أمورها إرهابيون، ونظن أن هناك مَن يطلق على الناس «الأفكار الاستراتيجية».. التي تبث في نفوسهم الرعب، وتوجههم نحو وجهة خاطئة – على سبيل المثال أيضاً – نحو عدو أبدي متوهم، يسعى للتمدد من «النيل إلى الفرات»، على الرغم من استحالة السيطرة عملياً على تلك المساحة الشاسعة.. على فرض إمكانية حدوث ذلك. ولَكَم عانينا تعالي صيحات «الغلوشة» و«التهويش» بالحرب، والمغالاة في رفع الشعارات الوطنية.. والأصوات الديماجوجية، وذلك لتشتيت الأنظار عن مكمن الخطر الحقيقي على المصريين.
■ مصر هي أقدم دولة، وأول دولة مركزية.. في التاريخ. وبذات حدودها الحالية – تقريباً – منذ آلاف السنين.. وإلى يومنا هذا. معلومة معروفة لدى الكافة، ويؤكدها أهل التخصص العلمي يوماً بعد يوم، ولعل آخر وأهم الأبحاث العلمية والمؤكدة لذلك البحث الذي نُشر في «جورنال الجمعية الملكية» في «لندن» في عدد سبتمبر من عام 2013، الذي استعان فيه فريق البحث، بالإضافة إلى علوم الآثار، بتقنية الكربون المشع. فحدود «مصر» إذن.. هي حدود تحيط بـ«دولة/ أمة» تقريبًا.
فهي ليست مثل «العراق» ولا «سوريا» ولا «ليبيا» ولا «السودان». وعلى الرغم من ذلك، فهي ليست بمنأى عن «عدوى» التطرف الإرهابي.. باسم الإسلام؛ الظاهر منه، والكامن تحت السطح الهادئ، انتظاراً للفرصة المواتية.
■ في أوقات الإحباط، نفر من حاضرنا إلى ماضينا. نفتش عن أزمنة مضيئة، نستعين بها لإحياء الأمل – أو الوهم – في إمكانية استعادتها في المستقبل، أو نبحث عما نجْتَرّه.. تنفيساً للمكبوت من مشاعر سلبية. وفي هذا السياق، نلجأ إلى بعض ما ذكره عن مصر «ول ديورانت» في موسوعته الشهيرة؛ «قصة الحضارة». يقول «ديورانت»:
■ «إذا شئنا أن نستعيد في مخيلتنا صورة من الأخلاق الشخصية للمصريين الأقدمين، وجدنا أنه ليس من السهل أن نفرق بين هذه الأخلاق.. كما نقرأ عنها في آدابهم، وبين ما كان يحدث في الحياة الواقعية، فما أكثر ما نقرأ عنه من العواطف النبيلة في كتاباتهم».
■ في المتحف البريطاني بردية تُعرف باسم: «حكمة أمنحوتب» (حوالي 950 ق. م)، وهي تُعِد أحد الطلاب لتولي منصب عام.. بطائفة من النواهي، لا يبعد قط أن كان لها أثر في واضع «أمثال سليمان» (العهد القديم) أو واضعيها:
■ لا تطمع في ذراع من الأرض.. ولا تعتدِ على حدود أرملة/ واحرث الحقل حتى تجد حاجاتك.. وخذ خبزك من جرنك/ وإن قدحاً من الحب يعطيكه الله.. لَخير من خمسة آلاف تنالها بالعدوان../ وإن الفقر بيد الله.. لَخير من الغنى في المخازن/ وإن الرغيف والقلب مبتهج.. لَخير من الغنى مع الشقاء.
■ ويوضح «ديورانت» أن تقوى وصلاح المصريين، لم يَحُلْ دون طموحاتهم الإنسانية.. في جمع الثروة. ويقول: «إننا لا نعدو الحقيقة، إن قلنا إن المصريين هم أمريكيو العالم القديم، فهم قوم مُولَعون بضخامة الحجم، يحبون المباني الفخمة الكبيرة، وهم مُجِدّون نشيطون جمَّاعون للثروة، عمليون، حتى في خرافاتهم الكثيرة عن الحياة الأُخرى بعد الممات».
■ «صناعة الورق.. من أعظم النعم الخالدة، التي أنعم بها المصريون على العالم»، وكان الورق – وليس الحجر- هو نقطة التحول الرئيسية في مسار الحضارة الإنسانية.
■ جاء في إحدى البرديات: «أفرغ قلبك للعلم، وأحِبَّه كما تحب أمك؛ فلا شيء في العالم.. يعدل العلم في قيمته».
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.