د. أسامة الغزالي حرب
هل شهدت، عزيزي القارئ، مشاهد غزة وإسرائيل، بعد سريان وقف إطلاق النار.. عقب حرب طويلة دامية استمرت عاماً وثلاثة أشهر…؟
إنها مشاهد لها مغزاها، ومعانيها العميقة التي ينبغي ألا نخطئها! الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون.. عادوا إلى أهلهم وذويهم، وسط فرحة عارمة وزغاريد.. وعناق ودموع وعواطف جياشة تفيض أملاً وتفاؤلاً.. مع أنها اختلطت بدهشة وذهول وألم، من حجم وشدة الدمار الذي وجدوا عليه مدنهم وأحياءهم؛ بكل ما كان فيها من منازل أحبوها، وعاشوا فيها جل أعمارهم، وما كان فيها من مدارس ومستشفيات ومرافق.. صارت كلها ركاماً فوق ركام، عجزوا معه حتى عن التعرف عليها أصلاً، بعد أن دمرتها تماماً الغارات الجوية الإسرائيلية!
على الجانب الآخر- الإسرائيلي – شهدنا حقاً أيضاً مشاهد مماثلة عاطفية.. للقاء الأسيرات العائدات إلى أسرهن، وهن بحال صحية طيبة بادية للعيان… ولكن – على النقيض تماماً من المشهد في غزة – لم يكن من الصعب ملاحظة الغيظ والحنق العام في إسرائيل، من النتيجة النهائية لحرب الشهور الخمسة عشر، مع أن إسرائيل نفسها – بمدنها وأحيائها والحياة اليومية فيها – تبدو سليمة هادئة بعيدة عن أي عنف أودمار! لماذا..؟ لأن حماس لا تزال موجودة – برغم ما نالها من تدمير شبه كامل – بل استطاعت – فيما يبدو – أن تعوّض بسرعة بعضاً مما فقدته.
لقد شهدت مؤخراً برنامجاً على شاشة التليفزيون البريطاني الـ (بي بي سي) يسأل فيه المذيع ضيفته من إسرائيل.. عن تقديرها للوضع في غزة بعد وقف القتال، فبدأت بالإشارة إلى وصف أعضاء حماس بـ «الحيوانات البشرية»! فما كان من المذيع إلا ان أوقفها – بشكل قاطع – عن الحديث بذلك الأسلوب!
ما هو معنى أو مغزى تلك الوقائع وما يشابهها… معناه ومغزاه أن السلام الحقيقي بين العرب وإسرائيل لا يزال أمراً بعيد المنال، وأن «التطبيع» الحقيقي للعلاقات بينهما، سوف تظل تحول دونه عقبات، لا تبدو إزالتها ممكنة… إلى إشعار آخر!
نقلاً عن «الأهرام«