Times of Egypt

آداب وفنون 2024: الفن التشكيلي وفهم الزمان والمكان 

Mohamed Bosila
سمير مرقص 

سمير مرقص 

(1) 

«كلود مونيه وبول جوجان» 

حديثنا اليوم في الحلقة الثالثة من السلسلة – التي نرصد فيها أهم الأفكار التي أنتجها العقل الإنساني في مجالي الآداب والفنون خلال عام 2024 – سوف نتناول كتابين عن علمين من أعلام الفن التشكيلي هما الفرنسيان: «كلود مونيه» (1840- 1926)، و«بول جوجان» (1848- 1903). إذ يُعتبر الأول رائداً للمدرسة الانطباعية. أما الثاني فلقد أسس ما يُعرف بالمدرسة الرمزية في الفن.  

الكتابان، يقدمان نموذجاً للكتابة التاريخية الثقافية النقدية المتجددة.. لأعمال المبدعين. ويؤكدان على أنه لا توجد قراءة/ كتابة أحادية (أو وحيدة).. للإبداعات الفنية عموماً، وللفن التشكيلي خصوصاً. بِلُغة أخرى، هناك دوماً أفق – بل آفاق لا حدود لها – في إعادة قراءة تلك الإبداعات، والكتابة عنها كتابة جديدة.. من زوايا متجددة؛ أخذاً في الاعتبار.. أن مناهج المقاربة التحليلية الفنية، دائمة التجدد والاختبار.. فيما يتعلق بالآداب والفنون، ومن ضمنها الفن التشكيلي.  

فعن طريق «اللوحات»، يقول أستاذ الآداب والفنون الإنجليزي «و. ميتشيل»: يمكن التطرق إلى المستويات:  

أولاً: الفنية على فكرة الصورة وبجميع الأفكار المرتبطة بها من تصوير، وتخيل، وإدراك، وتشبيه، ومحاكاة، إضافة إلى كيفية صياغتها المادية.  

وثانياً: الثقافية، أي السياق الثقافي المواكب لإبداع الفنان.. من حيث المدارس الفنية السائدة، وموقعه منها، وما الذي أضافه في هذا المقام. 

وثالثاً: السياق الاجتماعي والاقتصادي زمن إبداع الفنان وأثره على رؤية الفنان وإنتاجه الفني، خاصة إذا ما واكب هذا السياق ثوران ثقافي هائل في حقول الفلسفة وعلم الجمال وعلم النفس… إلخ. 

(2) 

«مونيه: تمرد أو إشراقة ميلاد تيار فني جديد» 

يقدم لنا الكتاب الأول «الرسم مع مونيه Painting With Monet»، (313 صفحة)، محاولة لإعادة تقييم رحلات الرسم الجماعية.. التي تبناها «مونيه» في مرحلة من مراحل حياته، وما مدى موضوعية الرسم «الانطباعي» Impressionist Painting؛ وإلى أي حد كان لهذه المدرسة.. القدرة على التعبير عن الواقع وإحيائه فنياً. أم أن إبداع الفنان هو إبداع محض ذاتي، ولكنه متفرد في إعادة اكتشاف الحقيقة/الحقائق.. التي يخفيها الواقع. والأهم، كيف يؤسس الفنانون المدارس/ الحركات الفنية.. التي كانت في حقيقتها استجابة للتقدم في عديد الحقول المعرفية. في هذا المقام، يقدم لنا الكتاب «مونيه».. كنموذج لحالة إبداعية جماعية، أسست لتيار فني جديد.. تمرداً على الفن الأكاديمي الرسمي والنمطي.  

والمفارقة، أن كل الفنانين.. الذين لم يعترف بهم الفن الأكاديمي الرسمي الباهت والسطحي، قد حظوا بجوائز معتبرة، كما بقيت أعمالهم خالدة مثل: رينوار، وسيسلي، وبالطبع «مونيه».. إضافة إلى «جوجان»، وغيرهم. فلقد استطاعت هذه المجموعة من خلال ثورتها الفنية على القديم أن تنقل فن الصورة/ اللوحة إلى مرحلة تاريخية جديدة. 

(3) 

«جوجان: ثورة على ثورة» 

أما كتاب «حالة وحشية: حياة بول جوجان Wild Thing: A life of Paul Gauguin»، (453 صفحة)، فيقدم حياة «جوجان».. شديدة التعقيد، وكفاحه من أجل أن تكون له مكانة في عالم الفن التشكيلي، بالرغم من الكثير من المآسي التي تعرض لها على المستوى الإنساني. ما جعله يستحق اللقب الذي أسبغه عليه الأستاذ الناقد الفني – وزير الثقافة الأسبق – بدر الدين أبوغازي، بالفنان الشهيد.  

كما يفسر عنوان الكتاب.. الذي صدر عن «جوجان» عام 2024 المنقضي، وهو يعكس قسوة الحياة التي عاشها «جوجان».. الأسرية والحياتية والفنية. إلا أن مؤلف الكتاب يؤكد على الكيفية التي تمرد بها «جوجان» حياتياً وفنياً؛ إذ ضرب بعرض الحائط القواعد الفنية.. التي كانت حاكمة حتى القرن الثامن عشر. وقد تمكن – بالرغم من المعاناة التي عاشها – أن يثور على الثورة الفنية.. التي قام بها الانطباعيون، لذا استحق أن يحظى بأنه أسس «ما بعد الانطباعية» أو «الرمزية».  

إضافة إلى ما سبق، كان «جوجان» منفتحاً على إبداعات الحارات غير الغربية. ولعل لوحته «السوق» تعبر عن كيفية استلهامه إحدى لوحات الجداريات المصرية القديمة. 

(4) 

«الفن طريقاً لفهم الحياة والمجتمع والحضارات» 

هناك كتب تفتح مساحات إدراكية وبحثية جديدة، لأنها لا تقف عند الكتابة التقنية الخاصة بالنقد الفني للحرفية التشكيلية للفنان ولوحاته، بل إنها تتيح للقارئ أن يغوص في التاريخ والمجتمع، والعلاقات الطبقية والاقتصادية، والتحولات الثقافية والتطورات المجتمعية؛ الظاهر منها، وما كان تموج به المجتمعات «تحت السطح».. حسب «أرنولد هاوزر» في كتابه المرجعي المهم: «الفن والمجتمع عبر التاريخ» (الجزء الثاني)، ومدى العلاقة الوثيقة بين التطور الاجتماعي وتطور الفنون عامة، والفن التشكيلي خاصة، بدرجة أو أخرى.  

فالصورة، إذن، أو اللوحة التي يتم تشكيلها هي: تشكيل مادي؛ تحمل فكرة، وتعكس واقع مبدعها والمجتمع الذي يعيش فيه. وقد ساهمت تلك النوعية من الكتب.. في أن تجعل – مع مرور الوقت – من دراسة الصورة/ اللوحة، ومبدعها، وسياق إبداعها علماً. وهو ما يتأكد إذا ما طالعنا دراسة أستاذ اللغة والفن البريطاني «و. ميتشيل»، «علم الصورة: الأيقونولوجي، الثقافة المرئية، وجماليات الوسائط»، (مصر في 2015)… وبعد حرصنا على الاحتفاء بنهاية العام على طريقتنا، وذلك بالإبحار في جديد عوالم الأدب والموسيقى والفن التشكيلي في الأسابيع الثلاثة الماضية، والابتعاد عن كل ما هو شأن ساخن.. كل عام وأنتم بخير. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.